أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (غَيْرُهُ) أَيْ زَائِدٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُومَ الْوُجُودُ بِالشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ: هُوَ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْهُمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنَّا إلَى قَوْلِ الْحُكَمَاءِ إنَّهُ عَيْنُهُ فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُمْكِنِ
ــ
[حاشية العطار]
تَبْعِيضَ ثُمَّ إنَّ مُسْتَنَدَ الصُّوفِيَّةِ فِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ هُوَ الْكَشْفُ وَالْعِيَانُ لَا النَّظَرُ وَالْبُرْهَانُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَوَجَّهُوا إلَى جَنَابِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِنُورٍ يُرِيهِمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ وَنِسْبَةُ الْعَقْلِ إلَى ذَلِكَ النُّورِ كَنِسْبَةِ الْوَهْمِ إلَى الْعَقْلِ فَكَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْكُمَ الْعَقْلُ بِصِحَّةِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ كَوُجُودِ مَوْجُودٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ كَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْكُمَ ذَلِكَ النُّورُ الْكَاشِفُ بِصِحَّةِ بَعْضِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ كَوُجُودِ حَقِيقَةٍ مُطْلَقَةٍ مُحِيطَةٍ لَا يَحْصُرُهَا التَّقْيِيدُ وَلَا يُقَيِّدُهَا التَّعَيُّنُ اهـ.
وَأَوْضَحَهُ الْمَوْلَى جَامِيٌّ بِأَنَّهُ إذَا انْطَبَعَتْ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي مَرَايَا مُتَكَثِّرَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالتَّحْدِيبِ وَالتَّقْعِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافَاتِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَكَثَّرَتْ بِحَسَبِ تَكَثُّرِ الْمَرَايَا وَاخْتَلَفَتْ انْطِبَاعَاتُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافَاتِهَا وَأَنَّ هَذَا التَّكْثِيرَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي وَحْدَتِهَا وَالظُّهُورُ بِحَسَبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَرَايَا غَيْرُ مَانِعٍ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ بِحَسَبِ سَائِرِهَا فَالْوَاحِدُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِمَنْزِلَةِ الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَاهِيَّاتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَايَا الْمُتَكَثِّرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاسْتِعْدَادَاتِهِ افَهُوَ سُبْحَانَهُ يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَيْنٍ بِحَسَبِهَا مِنْ غَيْرِ تَكَثُّرٍ وَتَغَيُّرٍ فِي ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ الظُّهُورُ بِأَحْكَامِ بَعْضِهَا عَنْ الظُّهُورِ بِأَحْكَامِ سَائِرِهَا اهـ.
وَقَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ قِيلَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا ذَاتٌ وَاحِدَةٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهَا أَصْلًا بَلْ لَهَا صِفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ هِيَ عَيْنُهَا وَهِيَ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ الْمُنَزَّهَةُ فِي حَدِّ ذَاتِهَا عَنْ شَوَائِبِ الْعَدَمِ وَسِمَاتِ نُقْصَانِ الْإِمْكَانِ وَلَهَا تَقَيُّدَاتٌ بِقُيُودٍ اعْتِبَارِيَّةٍ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ تَتَرَاءَى مَوْجُودَاتٌ مُتَمَايِزَةٌ فَيُتَوَهَّمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدٌ حَقِيقِيٌّ فَمَا لَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ اتِّحَادِ الْمَاهِيَّاتِ وَلَا يَتِمُّ أَيْضًا اشْتِرَاكُ الْوُجُودِ بَلْ لَا يَثْبُتُ وُجُودٌ مُمْكِنٌ أَصْلًا قَالَ وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ طَوْرِ الْعَقْلِ فَإِنَّ بَدِيهَتَهُ شَاهِدَةٌ بِتَعَدُّدِ الْمَوْجُودَاتِ تَعَدُّدًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّهَا ذَوَاتٌ وَحَقَائِقُ مُتَخَالِفَةٌ بِالْحَقِيقَةِ دُونَ الِاعْتِبَارِ فَقَطْ وَالذَّاهِبُونَ إلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ يَدَّعُونَ اسْتِنَادَهَا إلَى مُكَاشَفَاتِهِمْ وَمُشَاهَدَاتِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا بِمَبَاحِثِ الْعَقْلِ وَدَلَالَتِهِ بَلْ هُوَ مَعْزُولٌ هُنَاكَ كَالْحِسِّ فِي إدْرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ وَأَمَّا الْمُتَقَيِّدُونَ بِدَرَجَاتِ الْعَقْلِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَا شَهِدَ لَهُ الْعَقْلُ فَمَقْبُولٌ وَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ فَمَرْدُودٌ وَأَنَّهُ لَا طَوْرَ وَرَاءَهُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ تِلْكَ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا مُتَأَوَّلَةٌ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ فَهُمْ بِشَهَادَةِ بَدَاهَتِهِ مُسْتَغْنُونَ عَنْ إقَامَةِ بُرْهَانٍ عَلَى بُطْلَانِ أَمْثَالِ ذَلِكَ وَيَعُدُّونَ تَجْوِيزَهَا مُكَابَرَةً لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا. اهـ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْحَاشِيَةِ فَإِنْ قُلْت مَاذَا تَقُولُ فِيمَنْ يَرَى أَنَّ الْوُجُودَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ وَغَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّجَزِّي وَالِانْقِسَامِ قَدْ انْبَسَطَ عَلَى هَيَاكِلِ الْمَوْجُودَاتِ فَظَهَرَ فِيهَا فَلَا يَخْلُو عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهَا وَعَيْنُهَا وَإِنَّمَا امْتَازَتْ وَتَقَيَّدَتْ بِتَقَيُّدَاتٍ وَتَعَيُّنَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ وَيُمَثَّلُ ذَلِكَ بِالْبَحْرِ وَظُهُورِهِ فِي صُوَرِ الْأَمْوَاجِ الْمُتَكَثِّرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا حَقِيقَةُ الْبَحْرِ فَقَطْ قُلْت قَدْ سَلَفَ مِنَّا كَلَامٌ فِي أَنَّ هَذَا طَوْرٌ وَرَاءَ طَوْرِ الْعَقْلِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمُشَاهَدَاتِ الْكَشْفِيَّةِ دُونَ الْمُنَاظَرَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) يُفَسَّرُ الضَّمِيرُ بِالْأَشْعَرِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ بَلْ بِالْمُتَكَلِّمِينَ الْمُقَابِلِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ لِقَوْلِهِ وَكَذَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّ مُقَابِلِ الْأَكْثَرِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَوْ فُسِّرَ الضَّمِيرُ بِالْأَشْعَرِيَّةِ لَأَفْهَمَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) دَفَعَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُودَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ مِنْ لُزُومِ التَّسَلْسُلِ إنْ قِيلَ قَامَ بِهِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ أَيْ إنَّهُ مَوْجُودٌ إذْ نَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى هَذَا الْوُجُودِ وَهَلُمَّ جَرًّا أَوْ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ إنْ قِيلَ بِقِيَامِهِ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعْدُومٌ.
(قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الْحُكَمَاءِ إلَخْ) قَالُوا إنَّ وُجُودَهُ تَعَالَى لَوْ زَادَ عَلَى مَاهِيَّتِهِ لَكَانَ عَارِضًا لَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرُوضِهِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute