للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَعَلَى الْأَصَحِّ الْمَعْدُومُ) الْمُمْكِنُ الْوُجُودِ (لَيْسَ) فِي الْخَارِجِ (بِشَيْءٍ وَلَا ذَاتٍ وَلَا ثَابِتٍ) أَيْ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِهِ فِيهِ (وَكَذَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ) أَيْ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ شَيْءٌ أَيْ حَقِيقَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الِاسْمَ) عَيْنُ (الْمُسَمَّى)

ــ

[حاشية العطار]

هُوَ الْمَاهِيَّةُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْتَاجٍ مُمْكِنٌ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَاحْتَاجَ إلَى سَبَبٍ وَذَلِكَ السَّبَبُ إنْ كَانَ مُقَارِنًا وَهُوَ ذَاتُهُ تَعَالَى يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى وُجُودِهِ بِالْوُجُودِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِدَةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِالْوُجُودِ فَيَكُونُ لِذَاتِهِ وُجُودٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَنَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى ذَلِكَ الْوُجُودِ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا مُبَايِنًا أَعْنِي ذَاتَهُ تَعَالَى يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مُحْتَاجَةً فِي وُجُودِهِ إلَى الْغَيْرِ فَتَكُونُ مُمْكِنَةً وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُودِهِ هُوَ الْعِلَّةُ الْمُقَارِنَةُ أَعْنِي ذَاتَهُ تَعَالَى وَلَا يَجِبُ تَقَدُّمُ ذَاتِهِ عَلَى وُجُودِهِ بِالْوُجُودِ فَإِنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنَاتِ عِلَّةٌ قَابِلَةٌ لِوُجُودَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى وُجُودَاتِهَا بِالْوُجُودِ وَأَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ عِلَّةٌ لِقَوَامِهَا مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ لَيْسَ بِالْوُجُودِ فَإِنَّ وُجُودَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ الْمُمْكِنَةَ لَا تَقَرُّرَ لَهَا فِي الْعَدَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَمَنْ يَجْعَلُ الْوُجُودَ غَيْرَ الْمَوْجُودِ يَقُولُ إنَّ أَثَرَهُ وُجُودُهَا وَأَمَّا هِيَ مُتَقَرِّرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِهَا وَفِي شَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَاهِيَّةِ لَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِكَوْنِ الْمَعْدُومِ شَيْئًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَجُوزُ تَقَرُّرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَلَى الْوُجُودِ وَإِلَّا لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ مَعًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَجُوزُ تَقَرُّرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَنْ الْوُجُودِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالثَّانِي مَذْهَبُ سَائِرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحُكَمَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَأَرَادَ بِالْمَنْفِيِّ الْمَاهِيَّاتِ الْمُمْتَنِعَةَ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، فَعَلَى هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ الْمَاهِيَّاتُ الْمَعْدُومَةُ الْمُمْكِنَةُ الْوُجُودِ اهـ.

فَظَهَرَ لَك سِرُّ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ الْمُمْكِنَةِ الْوُجُودِ ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمَعْدُومَ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَنْفِيِّ أَوْ أَخَصَّ مِنْهُ يَصْدُقُ الْمَعْدُومُ مَنْفِيٌّ وَكُلُّ مَنْفِيٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ يَنْتُجُ الْمَعْدُومُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ الْمُدَّعَى وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ فَالْمَعْدُومُ لَمْ يَكُنْ نَفْيًا صِرْفًا وَلَا عَدَمًا مَحْضًا وَإِلَّا لَمَا بَقِيَ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَعْنِي بَيْنَ الْمَعْدُومِ وَالْمَنْفِيِّ وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْدُومُ نَفْيًا صِرْفًا كَانَ ثَابِتًا وَالْمَعْدُومُ مَقُولٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَصْدُقُ الْمَنْفِيُّ مَعْدُومٌ وَالْمَعْدُومُ ثَابِتٌ يَنْتُجُ الْمَنْفِيُّ ثَابِتٌ هَذَا خُلْفٌ وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُ الْمَعْدُومِ أَعَمَّ مِنْ الْمَنْفِيِّ تَحَقَّقَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَخْ) احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مَقْدُورًا بَعْضُهُ كَالْحَرَكَةِ الَّتِي نَقْدِرُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ كَالطَّيَرَانِ إلَى السَّمَاءِ وَلِكَوْنِهِ مُرَادًا بَعْضُهُ كَالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ الْحَبِيبِ دُونَ بَعْضٍ كَالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ الرَّقِيبِ مُتَمَيِّزٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا اسْتَحَالَ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَعَلَى الْبَعْضِ بِمُقَابِلِهَا وَكُلُّ مُتَمَيِّزٍ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَمَيِّزٍ ثَبَتَ لَهُ التَّمَيُّزُ وَثُبُوتُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ فِي الْخَارِجِ فَكُلُّ مَعْدُومٍ ثَابِتٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَنُقِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِجَرَيَانِهِ فِي الْمُمْتَنِعَاتِ وَالْخَيَالِيَّاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ كَشَرِيكِ الْبَارِئِ وَإِنْسَانٍ ذِي رَأْسَيْنِ فَإِنَّا نَتَصَوَّرُهَا وَنَتَعَقَّلُ امْتِيَازَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ إذْ تَعَقُّلُ الِامْتِيَازِ بَيْنَ شَرِيكِ الْبَارِئِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَإِنْسَانٍ ذِي رَأْسَيْنِ وَإِنْسَانٍ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ الْمُرَكَّبَاتُ نَتَعَقَّلُهَا وَلَا تَقَرُّرَ لَهَا فِي الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ مُتَلَاقِيَةً مُتَمَاسَّةً عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْعَدَمِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ حَقِيقَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَثَرَ الْفَاعِلِ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْوُجُودُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الِاسْمَ الْمُسَمَّى) قَالَ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>