بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْجَزْمِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ) الْمَجْهُولَةِ وَهُوَ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ) تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْمُحِيطِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْإِيمَانِ (لَا شَكًّا فِي الْحَالِ) فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ فِي الْحَالِ مُتَحَقِّقٌ لَهُ جَازِمٌ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ إلَى الْخَاتِمَةِ الَّتِي يَرْجُو أَحْسَنَهَا وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِإِيهَامِهِ الشَّكَّ فِي الْحَالِ فِي الْإِيمَانِ
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَلَاذَّ الْكَافِرِ) أَيْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا (اسْتِدْرَاجٌ) مِنْ اللَّهِ لَهُ حَيْثُ: يُلِذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إلَى الْمَوْتِ فَهِيَ نِقْمَةٌ عَلَيْهِ يَزْدَادُ بِهَا عَذَابُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهُ نِعْمَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ) الْمُشْتَمِلُ عَلَى النَّفْسِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ هُوَ النَّفْسُ لِأَنَّهَا الْمُدَبِّرَةُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْفَرْدُ وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ ثَابِتٌ) فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يُرَ عَادَةً إلَّا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ وَنَفَى الْحُكَمَاءُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية العطار]
التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْمُسَمَّى وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَمَّنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ اهـ.
وَفِي الْمَوَاقِفِ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ فِي اللُّغَاتِ بَلْ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ
(قَوْلُهُ: بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْجَزْمِ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ كَغَيْرِهِ الْجَزْمُ لِإِيهَامِ التَّعْلِيقِ بِالشَّكِّ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا يُفِيدُ الْجَوَازَ لَا الْأَوْلَوِيَّةَ.
(قَوْلُهُ: خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ الْمَجْهُولَةِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَدَفْعِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَا شَكًّا فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ السَّعْدُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِيمَانِ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَعْنَى فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ أُرِيدَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّجَاةُ وَالثَّمَرَاتُ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا قَطْعَ بِحُصُولِهِ فِي الْحَالِ فَمَنْ قَطَعَ بِالْحُصُولِ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَمَنْ فَوَّضَ إلَى الْمَشِيئَةِ أَرَادَ الثَّانِيَ وَنُقِلَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْإِيمَانَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ لَكِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ إيمَانُ الْمُوَافَاةِ فَاعْتَنَى السَّلَفُ بِهِ وَقَرَنُوهُ بِالْمَشِيئَةِ وَلَمْ يَقْصِدُوا الشَّكَّ فِي الْإِيمَانِ النَّاجِزِ وَمَعْنَى الْمُوَافَاةِ الْإِتْيَانُ وَالْوُصُولُ آخِرَ الْحَيَاةِ وَأَوَّلَ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُنْجِيَ وَالْكُفْرَ الْمُهْلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِالضِّدِّ لَا مَا ثَبَتَ أَوَّلًا وَتَغَيَّرَ إلَى الضِّدِّ فَلِذَلِكَ تَرَى الْكَثِيرَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ يَبُتُّونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِيمَانِ الْمُوَافَاةِ وَسَعَادَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُنْجِي لَا بِمَعْنَى أَنَّ إيمَانَ الْحَالِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ وَكُفْرَهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَكَذَا السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ وَالْوِلَايَةُ وَالْعَدَاوَةُ اهـ. .
(قَوْلُهُ: مَلَاذَّ الْكَافِرِ) أَيْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ اسْتِدْرَاجًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الِاسْتِدْرَاجِ الَّذِي هُوَ الْإِلْذَاذُ إذْ نَفْيُ إطْلَاقِ الِاسْتِدْرَاجِ عَلَى الْمَلَاذِّ تَجَوُّزٌ اهـ زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: اسْتِدْرَاجٌ) مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ طَلَبُ التَّدَرُّجِ وَهُوَ التَّنَقُّلُ فِي الدَّرَجَاتِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مُطْلَقِ التَّنَقُّلِ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَنَقُّلُ الْكَافِرِ فِيمَا يَتَأَكَّدُ بِهِ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَذَابَ حَيْثُ تَمَادَى فِي كُفْرِهِ مَعَ وُصُولِ النِّعَمِ إلَيْهِ فَهِيَ نِقَمٌ فِي صُورَةِ نِعَمٍ فَسَمَّاهَا الْأَشَاعِرَةُ نِقَمًا نَظَرًا إلَى حَقِيقَتِهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ نِعَمًا نَظَرًا إلَى صُورَتِهَا اهـ. زَكَرِيَّا.
وَأَقُولُ بِهَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ خِلَافٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ نِزَاعًا بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فَتَدَبَّرْهُ
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ) أَيْ مَثَلًا، وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الضَّمَائِرِ وَالْخِلَافُ هُنَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْفَرْدُ إلَخْ) الْخِلَافُ فِي إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ عِنْدَهُمْ يَنْبَنِي عَلَى نَفْيِهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْ عَقَائِدِهِمْ فَبِإِبْطَالِهِ يَبْطُلُ مَا أَسَّسُوهُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ كَثُرَ الِاسْتِدْلَال مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى إبْطَالِهِ وَثُبُوتِهِ حَتَّى إنَّ إثْبَاتَ الْهُيُولِيِّ فِي الْأَجْسَامِ الْمُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَامْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ فِي الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ مُعْظَمُ أَدِلَّتِهَا تَدُورُ عَلَى نَفْيِهِ وَمِنْ أَدِلَّةِ الْإِثْبَاتِ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا كُرَةً حَقِيقَةً أَيْ لَا خَطَّ فِيهَا مُسْتَقِيمٌ وَوَضَعْنَاهَا عَلَى سَطْحٍ مُسْتَقِيمٍ لَمْ تُلَاقِهِ إلَّا بِجُزْءٍ