بَلْ يَنْقَضِي وَيَتَجَدَّدُ مِثْلُهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَهَكَذَا عَلَى التَّوَالِي حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَيْ يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةُ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ وَقَالَ الْحُكَمَاءُ إنَّهُ يَبْقَى إلَّا الْحَرَكَةَ وَالزَّمَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ وَسَيَأْتِي.
(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْعَرَضَ (لَا يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ) فَسَوَادُ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ مَثَلًا غَيْرُ سَوَادِ الْآخَرِ وَإِنْ تَشَارَكَا فِي الْحَقِيقَةِ وَقَالَ قُدَمَاءُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْقُرْبُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِطَرَفَيْنِ يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُخَالِفٌ لِقُرْبِ الْآخَرِ بِالشَّخْصِ وَإِنْ تَشَارَكَا فِي الْحَقِيقَةِ وَكَذَا نَحْوُ الْقُرْبِ كَالْجِوَارِ
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الْعَرَضَيْنِ (الْمِثْلَيْنِ) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ نَوْعٍ (لَا يَجْتَمِعَانِ) فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَجَوَّزَتْ الْمُعْتَزِلَةُ اجْتِمَاعَهُمَا مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْجِسْمَ الْمَغْمُوسَ فِي الصِّبْغِ لِيَسْوَدَّ يَعْتَرِضُ لَهُ سَوَادٌ ثُمَّ آخَرُ وَآخَرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ السَّوَادِ بِالْمُكْثِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ عُرُوضَ السَّوَادِ لَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ بَلْ الْبَدَلِ فَيَزُولُ الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية العطار]
ضَعِيفَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ سَفْسَطَةٌ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ جَعْلُهُمْ عِلَّةَ احْتِيَاجِ الْمُمْكِنِ إلَى الْفَاعِلِ هِيَ الْحُدُوثُ فَأَلْزَمُوا انْتِفَاءَ الِاحْتِيَاجِ بَعْدَ حُدُوثِهِ فَقَالُوا إنَّ بَقَاءَ الْجَوْهَرِ مَشْرُوطٌ بِالْعَرَضِ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ وَمَنْ قَالَ إنَّ عِلَّةَ الِاحْتِيَاجِ الْإِمْكَانُ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْإِمْكَانِ بَاقٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى بِوَجْهَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَضَ اسْمٌ لِمَا يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ بِدَلَالَةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ يُقَالُ عَرَضَ لِفُلَانٍ أَمْرٌ أَيْ مَعْنًى لَا قَرَارَ لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ عَارِضٌ وَهَذِهِ الْحَالَةُ لَيْسَتْ بِأَصْلِيَّةٍ بَلْ عَارِضَةٌ وَلِهَذَا سُمِّيَ السَّحَابُ عَارِضًا وَلَيْسَ اسْمًا لِمَا يَعْرِضُ بِذَاتِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى مَحَلٍّ يُقَوِّمُهُ إذْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ مَا يُنْبِئُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فَإِمَّا بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَدُومَ بِدَوَامِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ وَأَنْ يَتَّصِفَ بِسَائِرِ صِفَاتِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّقَوُّمِ بِالذَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ تَوَابِعِ الْبَقَاءِ وَإِمَّا بِبَقَاءٍ آخَرَ فَيَلْزَمُ أَنْ يُمْكِنَ بَقَاؤُهُ مَعَ فَنَاءِ الْمَحَلِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِبَقَائِهِ بِبَقَائِهِ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الدَّوَامِ لَا عَنْ عَدَمِ الْبَقَاءِ زَمَانَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فِيهِ وَلِأَنَّ بَقَاءَهُ بِبَقَاءٍ آخَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ بَقَائِهِ مَعَ فَنَاءِ الْمَحَلِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ الْمَحَلِّ كَوُجُودِهِ بِوُجُودِهِ هُوَ. أَيْضًا الْبَقَاءُ عَرَضٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَاقِي وَلَا يَقُومُ الْعَرَضُ بِالْعَرَضِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَقَاءَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَاقِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى امْتِنَاعِهِ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا الْحَرَكَةَ وَالزَّمَانَ) وَكَذَا الْأَصْوَاتُ وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُهِرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ سَيَّالَةٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا وَاللَّفْظُ نَوْعٌ مِنْ الصَّوْتِ
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَرَضَ لَا يَحِلُّ مَحَلَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بِمَحَلَّيْنِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ هُوَ تَشَخُّصُ ذَلِكَ الْعَرَضِ وَهَذَا الْمَطْلَبُ ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَاتُ قَدْ يُنَبَّهُ عَلَيْهَا وَأَجْلَى مِنْهُ بَدَاهَةً امْتِنَاعُ قِيَامِ الْعَرَضِ بِنَفْسِهِ فَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ عَرَضِيَّةٍ حَادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ، مُكَابَرَةٌ مَحْضَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ قُدَمَاءُ الْمُتَكَلِّمِينَ) الْمُرَادُ بِهِمْ - كَمَا قِيلَ - الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ وَلَفْظُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَعُمُّ سَائِرَ الْفِرَقِ مَا عَدَا الْفَلَاسِفَةَ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الشَّيْخِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ تَكَلَّمُوا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمَوَاقِفِ لِقُدَمَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ. اهـ.
أَقُولُ وَهُوَ مُعَرَّفٌ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لِقُدَمَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا نَحْوُ الْقُرْبِ) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِطَرَفَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ فَتَدْخُلُ مَقُولَةُ الْإِضَافَةِ
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَرَضَيْنِ الْمِثْلَيْنِ) قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْعَرَضَيْنِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمِثْلَيْنِ أَعَمُّ إذْ الْمِثْلَانِ مَوْجُودَانِ يَتَشَارَكَانِ فِي حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَا عَرَضَيْنِ أَوْ جِسْمَيْنِ أَوْ جَوْهَرَيْنِ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَعْرَاضِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) أَيْ كَالسَّوَادَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَا مِنْ نَوْعَيْنِ فَهُمَا ضِدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا قَطْعًا (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ الْأَوَّلُ إلَخْ) عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ الْأَوَّلُ