وَيَخْلُفُهُ الثَّانِي وَهَكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (كَالضِّدَّيْنِ) فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ (بِخِلَافِ الْخِلَافَيْنِ) وَهُمَا أَعَمُّ مِنْ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ مِنْ حَيْثُ الْأَعَمِّيَّةُ كَالسَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ يَجُوزُ ارْتِفَاعُ الشَّيْئَيْنِ (أَمَّا النَّقِيضَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ) كَالْقِيَامِ وَعَدَمِهِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ الْمُمْكِنِ) وَهُمَا الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ (لَيْسَ أَوْلَى بِهِ) مِنْ الْآخَرِ بَلْ هُمَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ جَوْهَرًا كَانَ أَوْ عَرَضًا عَلَى السَّوَاءِ وَقِيلَ: الْعَدَمُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ: وُقُوعًا فِي الْوُجُودِ
ــ
[حاشية العطار]
وَخَلَفَهُ الثَّانِي وَهَكَذَا لَمَا قَوِيَ اللَّوْنُ وَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْمُكْثِ وَعَدَمِهِ فِي اللَّوْنِ الْوَاحِدِ. وَالْمُشَاهَدَةُ حَاكِمَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَمَنْعُ ازْدِيَادِ اللَّوْنِ بِالْمُكْثِ مُكَابَرَةٌ فِي الْمَحْسُوسِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ بَيَّنَ ضَعْفَهُ وَأَنَّهُ سَفْسَطَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا أَعَمُّ مِنْ الضِّدَّيْنِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ أَيْ سَوَاءٌ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا الضِّدَّانِ أَمْ لَا وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِمَا بِأَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ لِخُرُوجِ الضِّدَّيْنِ كَالْمِثْلَيْنِ بِذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةٌ وَالصِّفَاتُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ فِي وَصْفٍ لِشَيْءٍ بَعْدَهَا إلَى تَعَلُّقِ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَالْحَقِيقَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ وَالْوُجُودِ لِلْإِنْسَانِ وَيُقَابِلُهَا الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ فِيمَا ذُكِرَ إلَى ذَلِكَ كَالتَّحَيُّزِ وَالْحُدُوثِ وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ دُونَ مَعْنًى زَائِدٍ عَلَيْهَا وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: كَالسَّوَادِ وَالْحَلَاوَةِ) فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَبَايُنًا جُزْئِيًّا (قَوْلُهُ: وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْمِثْلِيَّةِ وَالضِّدِّيَةِ وَالْخِلَافِيَّةِ يَجُوزُ ارْتِفَاعُ الشَّيْئَيْنِ فَيَجُوزُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ وَالْخِلَافَيْنِ عَنْ الْمَحَلِّ اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْعَدَمُ أَوْلَى بِهِ بِهَذَا يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا قَالَ الْأَوَّلُ فِي كِتَابِ الْفُصُوصِ الْمَاهِيَّةُ الْمَعْلُولَةُ لَهَا عَنْ ذَاتِهَا أَنْ لَيْسَتْ وَلَهَا عَنْ غَيْرِهَا أَنْ يُوجَدَ وَالْأَمْرُ الَّذِي عَنْ الذَّاتِ قَبْلَ الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ عَنْ الذَّاتِ اهـ.
قَالَ الثَّانِي فِي الْهَيْئَاتِ الشِّفَاءُ لِلْمَعْلُولِ فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ لَيْسَ وَلَهُ عَنْ عِلَّتِهِ أَنْ يَكُونَ آيِسًا وَاَلَّذِي يَكُونُ لِلشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ أَقْدَمُ عِنْدَ الذِّهْنِ بِالذَّاتِ لَا بِالزَّمَانِ عَنْ الَّذِي يَكُونُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ كُلُّ مَعْلُولٍ آيِسًا بَعْدَ لَيْسَ، بَعْدِيَّةٌ بِالذَّاتِ اهـ.
فَهَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْعَدَمَ مُقْتَضَى ذَاتِ الْمُمْكِنِ لَهُ تَقَدَّمَ بِالذَّاتِ عَلَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُمْكِنَ مُتَسَاوِي النِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَكَمَا أَنَّ وُجُودَهُ يَكُونُ مِنْ الْغَيْرِ كَذَلِكَ عَدَمُهُ أَيْضًا يَكُونُ مِنْ الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ ذَاتِهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عَدَمُهُ مُقْتَضَى ذَاتِهِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا بِالذَّاتِ وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مُمْكِنًا بِالذَّاتِ هَذَا خُلْفٌ.
وَأَجَابَ شَارِحُ الْفُصُوصِ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَوْجُودَ لَمَّا كَانَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ الْغَيْرِ وَاعْتُبِرَتْ ذَاتُهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ قَطْعًا وَهَذَا السَّلْبُ لِلْمَعْلُولِ ثَابِتٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْوُجُودِ أَوْ فِي حَالَةِ الْعَدَمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعَدَمِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الْعَقْلِ حَاكِمٌ بِأَنَّ وُجُودَهُ مِنْ الْغَيْرِ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي ذَاتِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْغَيْرِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِالْعَدَمِ الَّذِي هُوَ رَفْعُ الْوُجُودِ وَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضَى ذَاتِهِ لِيَلْزَمَ الْمُحَالُ فَإِنَّ ذَلِكَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ لَا يَتَفَوَّهُ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ عُظَمَاءِ الْحُكَمَاءِ أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ لِلْمَعْلُولِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الْوُجُودِ وَلَا استحقاقيته لَا عَدَمُ الْوُجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ذَاتِ الْمَعْلُولِ مُقَدَّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمَعْلُولِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ الِاقْتِضَاءِ فِي ذَاتِ الْمَعْلُولِ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ أَمَّا اقْتِضَاءُ الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ وُجُودَ الْوَاجِبِ لَا وُجُودَ الْمُمْكِنِ الْمَعْلُولِ أَوْ اقْتِضَاءَ الْعَدَمِ فَيَصِيرُ مُمْتَنِعًا بِالذَّاتِ لَا مَوْجُودًا وَعَلَى أَيِّهِمَا كَانَ صَحَّ قَوْلُهُمْ الْحُدُوثُ مُسْتَوْفِيهِ الْوُجُودُ بِالْعَدَمِ فَإِنْ كَانَ السَّبْقُ بِالزَّمَانِ فَحُدُوثٌ زَمَانِيٌّ.
وَإِنْ كَانَ بِالذَّاتِ فَحُدُوثٌ ذَاتِيٌّ غَايَتُهُ أَنْ