قِيلَ) هُوَ (جَوْهَرٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ) أَيْ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ (وَلَا جُسْمَانِيٍّ) أَيْ وَلَا دَاخِلٍ فِي الْجِسْمِ فَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ (وَقِيلَ: فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) وَهُوَ جِسْمٌ سُمِّيَتْ دَائِرَتُهُ أَيْ مِنْطَقَةُ الْبُرُوجِ مِنْهُ بِمَعْدِلِ النَّهَارِ لِتَعَادُلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ عِنْدَ كَوْنِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا (وَقِيلَ: عَرَضٌ
ــ
[حاشية العطار]
عَدَمِ الِابْنِ؛ لِأَنَّا نَعْقِلُ وُجُودَ الْأَبِ مَعَ عَدَمِ الِابْنِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَبْلِيَّةِ فَتَكُونُ زَائِدَةً عَلَى وُجُودِ الْأَبِ وَعَدَمِ الِابْنِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقَبْلِيَّةُ أَيْضًا عَدَمِيَّةً؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ اللَّاقَبْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَدَمِيَّةٌ لِكَوْنِهَا مَحْمُولَةً عَلَى الْعَدَمِ فَتَكُونُ ثُبُوتِيَّةً فَالْقَبْلِيَّةُ إذَنْ أَمْرٌ زَائِدٌ ثُبُوتِيٌّ فَتَكُونُ عَارِضَةً لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ وَذَلِكَ هُوَ الزَّمَانُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
أَقُولُ هَاهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْوُجُودُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ هِيَ ظَاهِرَةُ الْآنِيَةِ خَفِيفَةُ الْمَاهِيَّةِ طَالَ نِزَاعُ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي الْكَشْفِ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَحَارَتْ أَفْكَارُهُمْ فَكَيْفَ الْحَالُ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْإِلَهِيَّاتِ وَكَيْفَ الْوُصُولُ إلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ مَعَ عَجْزِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَارِفِينَ وَمُرْشِدُهُمْ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ أَجْمَعِينَ بِقَوْلِهِ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ بِنَاءً عَلَى بَعْضِ تَأْوِيلَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ حَضْرَةَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَسُبْحَانَ مَنْ ظُهُورُهُ لِأَوْلِيَائِهِ عَيْنُ خَفَائِهِ:
قُلْ لِمَنْ يَفْهَمُ عَنِّي مَا أَقُولُ ... قَصِّرْ الْقَوْلَ فَذَا شَرْحٌ يَطُولْ
ثَمَّ سِرٌّ غَامِضٌ مِنْ دُونِهِ ... ضُرِبَتْ وَاَللَّهِ أَعْنَاقُ الْفُحُولْ
أَنْتَ لَا تَعْرِفُ إيَّاكَ وَلَا ... تَدْرِ مَنْ أَنْتَ وَلَا كَيْفَ الْوُصُولْ
لَا وَلَا تَدْرِي صِفَاتٍ رُكِّبَتْ ... فِيك حَارَتْ فِي خَفَايَاهَا الْعُقُولْ
أَيْنَ مِنْك الرُّوحُ فِي جَوْهَرِهَا ... هَلْ تَرَاهَا فَتَرَى كَيْفَ تَجُولْ
هَذِهِ الْأَنْفَاسُ هَلْ تَحْصُرُهَا ... لَا وَلَا تَدْرِي مَتَى عَنْك تَزُولْ
أَيْنَ مِنْك الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ إذَا ... غَلَبَ النَّوْمُ فَقُلْ لِي يَا جَهُولْ
أَنْتَ أَكْلُ الْخُبْزِ لَا تَعْرِفُهُ ... كَيْفَ يَجْرِي مِنْك أَمْ كَيْفَ تَبُولْ
فَإِذَا كَانَتْ طَوَايَاك الَّتِي ... بَيْنَ جَنْبَيْك كَذَا فِيهَا ضَلُولْ
(قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ جَوْهَرٌ إلَخْ) نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ قَالُوا هُوَ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ جِسْمٍ وَلَا جُسْمَانِيٍّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ عَدَمِهِ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْعَدَمَ لَكَانَ عَدَمُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ بَعْدِيَّةٌ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ الزَّمَانِ إذْ مَعْنَى كَوْنِ عَدَمِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّ عَدَمَهُ وَقَعَ فِي زَمَانٍ بَعْدَ زَمَانِ وُجُودِهِ وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ وُجُودُ الزَّمَانِ حَالَ عَدَمِهِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُحَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ مُطْلَقًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْعَدَمَ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) فِي شَرْحِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَلَى طَوَالِعِ الْبَيْضَاوِيِّ وَقِيلَ: الزَّمَانُ هُوَ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ؛ لِأَنَّ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ كَمَا أَنَّ الزَّمَانَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الزَّمَانِ فَالزَّمَانُ هُوَ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ وَخَلَلُ هَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ إذْ إحَاطَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ مَعْنَاهُ كَوْنُهُ حَاوِيًا لِجَمِيعِهَا وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانُ فَإِنَّ مَعْنَى إحَاطَتِهِ بِهَا مُقَارَنَتُهُ إيَّاهَا وَلَوْ سَلِمَ فَإِنَّهُ لَا يُنْتِجُ