فَقِيلَ حَرَكَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَقِيلَ: مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ) الْمَذْكُورَةِ وَمِنْهُمْ مِنْ عَبَّرَ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ وَمِقْدَارِهَا (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ (مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ) مِنْ الْأَوَّلِ بِمُقَارَنَتِهِ لِلثَّانِي كَمَا فِي آتِيك عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأَقْوَالُ قَبْلَهُ لِلْحُكَمَاءِ
(وَيَمْتَنِعُ تَدَاخُلُ الْأَجْسَامِ) أَيْ دُخُولُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ فِيهِ وَالْمُلَاقَاةِ لَهُ بِأَسْرِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْحَجْمِ وَامْتِنَاعُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ الْحَوَاشِي مِنْ أَوَّلِ الْمَبَاحِثِ الْكَلَامِيَّةِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ سِوَى حَاشِيَةِ الشَّيْخِ النَّجَّارِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَلَسْت أَدْرِي مَاذَا صَنَعَ بَقِيَّةُ الْحَوَاشِي هُنَا وَأَمَّا حَاشِيَةُ الشَّيْخِ الْبُنَانِيِّ فَإِنِّي نَظَرْت بَعْضَ مَوَاضِعَ مِنْهَا أَوَّلُ تَحْشِيَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَعْرَضْت عَنْهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ الْحَوَاشِي السَّابِقَةِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَلْ رُبَّمَا أَحَبَّ تَلْخِيصَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ فَأَخَلَّ بِهِ إخْلَالًا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَيُشَوِّشُ الْمَبْنَى فَتَرَكْت النَّظَرَ فِيهَا رَأْسًا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَرَحِمَنَا إذَا صِرْنَا إلَيْهِمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فَدَعَا لِي بِخَيْرٍ:
فَإِنِّيَ عَبْدٌ ذُو ذُنُوبٍ خَفِيَّةٍ ... إذَا لَمْ يُسَامِحْنِي الْإِلَهُ بِفَضْلِهِ
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ حَرَكَةُ مَعْدِلِ النَّهَارِ) أَيْ فَلَكُ مَعْدِلِ النَّهَارِ وَعِبَارَةُ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ وَقِيلَ: الزَّمَانُ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ قَارِّ الذَّاتِ وَالْحَرَكَةُ كَذَلِكَ فَالزَّمَانُ هُوَ حَرَكَتُهُ وَمُنِعَ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْتِجٍ بِأَنَّ الْحَرَكَةَ تُوصَفُ بِالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ إذْ يُقَالُ الْحَرَكَةُ إمَّا سَرِيعَةٌ وَإِمَّا بَطِيئَةٌ وَالزَّمَانُ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إذْ لَا يُقَالُ الزَّمَانُ إمَّا سَرِيعٌ وَإِمَّا بَطِيءٌ فَالْحَرَكَةُ غَيْرُ الزَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ) أَيْ حَرَكَةُ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَمُتَابِعِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّمَانَ يَقْبَلُ الْمُسَاوَاةَ وَالْمُفَارَقَةَ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ قَابِلًا لَهُمَا فَهُوَ كَمٌّ فَالزَّمَانُ كَمٌّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمًّا مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمًّا مُنْفَصِلًا لَانْقَسَمَ إلَى مَا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ الْكَمَّ الْمُنْفَصِلَ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَائِهِ إلَى الْوَحَدَاتِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْقَسِمَةٍ لَكِنَّ الزَّمَانَ مُنْقَسِمٌ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ فَالزَّمَانُ كَمٌّ مُتَّصِلٌ غَيْرُ قَارِّ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الزَّمَانِ لَا تَجْتَمِعُ فِي الْوُجُودِ فَتَكُونُ أَجْزَاؤُهُ مَوْجُودَةً عَلَى سَبِيلِ التَّصَرُّمِ وَالتَّجَدُّدِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا (قَوْلُهُ: مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الِاقْتِرَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعِيَّةِ فَذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ الْمَعِيَّةُ هُوَ الْوَقْتُ يَجْمَعُهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَالًّا عَلَيْهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ فَلَيْسَتْ الْمَعِيَّةُ نَفْسَ مَا يَقَعُ فِيهِ الْحَوَادِثُ بَلْ هِيَ مُعَارِضَةٌ لِذَاتِهِ مَقِيسَةٌ إلَى مَا يَقَعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ فَأَصْحَابُ هَذَا الْمَذْهَبِ جَعَلُوا أَعْلَامَ الْأَوْقَاتِ أَوْقَاتًا أَفَادَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ.
وَقَدْ يُفَسَّرُ الزَّمَانُ بِأَنَّهُ مُتَجَدِّدٌ مَعْلُومٌ يُقَارِنُهُ مُتَجَدِّدٌ مَوْهُومٌ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ وَقَدْ يَتَعَاكَسُ التَّقْدِيرُ بَيْنَ الْمُتَجَدِّدَاتِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مُتَصَوَّرٌ وَمَعْلُومٌ لِلْمُخَاطَبِ فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا مَتَى جَاءَ زَيْدٌ يُقَالُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ كَانَ السَّائِلُ مُسْتَحْضِرًا لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحْضِرًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ ثُمَّ إذَا قَالَ غَيْرُهُ مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ يُقَالُ حِينَ جَاءَ زَيْدٌ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ دُونَ طُلُوعِهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقْوَامِ فَيُقَدِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُبْهَمَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ فَيَقُولُ الْقَارِئُ مَكَثْت عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا مِقْدَارَ مَا قَرَأْت سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْكَاتِبُ يَقُولُ مِقْدَارَ مَا كَتَبْت عَشْرَةَ أَسْطُرٍ وَهَكَذَا فَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ وَوَصْفُهُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّخَيُّلِ أَوْ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ «يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُقَالُ لَهُ الدَّهْرُ وَإِنَّمَا أَنَا خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى هَذَا فَوَصْفُهُ بِالْحُدُوثِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَادِثِ الْمَوْجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّجَدُّدِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ فِيهِ بِأَنْ تَصِيرَ شَيْئًا وَاحِدًا مُتَّحِدَةً فِي الْحَيِّزِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهَا تَتَّحِدُ مَكَانًا وَمِقْدَارًا وَوَضْعًا فَلَا اتِّجَاهَ لِقَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إرْسَالِ الْمَلَكِ إلَى الرَّحِمِ لِيَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْجَوْهَرِ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَ جَوْهَرٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّحِمِ لِتَصْوِيرِ النُّطْفَةِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهَا وَالرَّحِمُ جَوْهَرٌ وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دُخُولُ مَظْرُوفٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute