للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ فِي الْعِظَمِ.

(وَ) يَمْتَنِعُ (خُلُوُّ الْجَوْهَرِ) مُفْرَدًا كَانَ أَوْ مُرَكَّبًا (عَنْ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ) بِأَنْ لَا يَقُومَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ التَّشَخُّصِ وَالتَّشَخُّصُ إنَّمَا هُوَ بِالْأَعْرَاضِ (وَالْجَوْهَرُ) الْمُرَكَّبُ وَهُوَ الْجِسْمُ (غَيْرُ مُرَكَّبٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ) لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِهَا

ــ

[حاشية العطار]

ظَرْفٍ وَلَيْسَ مِنْ تَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ فِي شَيْءٍ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ يَمْتَنِعُ تَدَاخُلُ الْجَوَاهِرِ وَهِيَ أَعَمُّ لِتَنَاوُلِهَا الْجَوْهَرَ وَالْفَرْدَ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الْكُلِّ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْجِسْمَيْنِ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كُلٌّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ وَقَدْ صَارَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَزِمَ مَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي التَّعْلِيلِ مِنْ الْخَفَاءِ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى بُطْلَانِهِ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّدَاخُلُ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجِسْمُ الْمُعَيَّنُ أَجْسَامًا كَثِيرَةً مُتَدَاخِلَةً وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الذِّرَاعُ الْوَاحِدُ مِنْ الْكِرْبَاسِ أَلْفَ ذِرَاعٍ مَثَلًا بَلْ جَازَ تَدَاخُلُ الْعَالَمِ كُلِّهِ فِي حَيِّزِ خَرْدَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا عَوَالِمُ مُتَعَدِّدَةٌ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَالْبَدِيهَةُ تُكَذِّبُهُ وَقَدْ عَلَّلَ الْمُعْتَزِلَةُ الِامْتِنَاعَ بِأَنَّ الْحَيِّزَ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ فِيهِ كَوْنٌ مُضَادٌّ لِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْآخَرِ فِيهِ.

قِيلَ إنَّ النَّظَّامَ جَوَّزَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ السَّيِّدُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْجِسْمَ الْمُتَنَاهِيَ الْمِقْدَارِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةِ الْعَدَدِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ التَّدَاخُلِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا أَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَقَالَ بِهِ صَرِيحًا فَلَمْ يُعْلَمْ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ كَانَ مُكَابَرَةً لِمُقْتَضَى عَقْلِهِ

(قَوْلُهُ: مُفْرَدًا كَانَ) مُرَادُهُ بِهِ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُرَكَّبًا أَيْ مِنْ جَوْهَرَيْنِ فَرْدَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ الْجِسْمُ لَا مِنْ الْهُيُولِيِّ وَالصُّورَةِ كَمَا تَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْجِسْمَ مُؤَلَّفٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ فَالْأَشَاعِرَةُ قَالُوا كُلُّ عَرَضٍ مَعَ ضِدِّهِ يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا فِي الْجِسْمِ لِامْتِنَاعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَهُمَا عَرَضَانِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ رُبَّ عَرَضٍ غَيْرِهِمَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ الْجِسْمُ فَإِنَّ الْهَوَاءَ خَالٍ عَنْ اللَّوْنِ وَالطُّعُومِ وَأَضْدَادِهَا فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَخْ وَالصَّالِحِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ جَوَّزُوا الْخُلُوَّ، وَالْبَصْرِيَّةُ مِنْهُمْ يُجَوِّزُونَهُ فِي غَيْرِ الْأَلْوَانِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُرَكَّبٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ) أَيْ خِلَافًا لِلنَّجَّادِ وَالنَّظَّامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْجِسْمَ مُؤَلَّفٌ مِنْ مَحْضِ الْأَعْرَاضِ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ وَاَلَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: لِلْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ الْمُتَنَاهِيَةِ الْعَدَدِ الثَّانِي لِلْمَشَّائِينَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْهُيُولِيِّ وَالصُّورَةِ الثَّالِثُ لِلْإِشْرَاقِيَّيْنِ مِنْهُمْ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْحَسَنِ لَيْسَ فِيهِ تَعَدُّدُ أَجْزَاءٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ بِذَاتِهِ وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا يَبْقَى لَهُ قَبُولُ انْقِسَامٍ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَلَا مَحِيصَ لِمَنْ اعْتَرَفَ بِتَجَانُسِ الْجَوَاهِرِ الْأَفْرَادِ وَتَمَاثُلِهَا فِي الْحَقِيقَةِ كَالْأَشَاعِرَةِ قَاطِبَةً وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ عَنْ جَعْلِ الْأَعْرَاضِ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ الْجِسْمُ حِينَئِذٍ جَوْهَرًا مَعَ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ مُنْضَمَّةً إلَى ذَلِكَ الْجَوْهَرِ إذْ لَوْ كَانَتْ مُؤَلَّفَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ مُتَجَانِسَةً وَحْدَهَا لَكَانَتْ الْأَجْسَامُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَةً فِي الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ.

وَأَمَّا النَّظَّامُ وَالنَّجَّارُ فَقَالَا إنَّ الْجَوَاهِرَ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ أَعْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ وَإِذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ أَعْرَاضٍ مُتَجَانِسَةٍ فَمُجَانِسَةٌ قَالَا وَلِذَلِكَ اتَّصَفَتْ الْأَجْسَامُ الْمُؤَلَّفَةُ تَارَةً بِالتَّخَالُفِ وَأُخْرَى بِالتَّمَاثُلِ اهـ.

أَقُولُ النَّظَّامُ بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَيَّارٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ تِلْمِيذُ الْجَاحِظِ وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ الْمَقَالَاتِ فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ افْتَرَقُوا عِشْرِينَ فِرْقَةً وَقَدْ كَانَ النَّظَّامُ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ كَمَا أَنَّ شَيْخَهُ الْجَاحِظَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وَفِي غَايَةٍ مِنْ قُبْحِ الْوَجْهِ أَيْضًا حَتَّى قِيلَ فِيهِ:

لَوْ يُمْسَخُ الْخِنْزِيرُ مَسْخًا ثَانِيًا ... مَا كَانَ إلَّا دُونَ مَسْخِ الْجَاحِظِ

رَجُلٌ يَنُوبُ عَنْ الْجَحِيمِ بِوَجْهِهِ ... وَهُوَ الْقَذَى فِي عَيْنِ كُلِّ مُلَاحِظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>