للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لِإِيثَارِهِ نَفْسِهِ) الْبَقَاءَ عَلَى مُكَافِئِهِ الَّذِي خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا الْمُكْرِهُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك فَيَأْثَمُ بِالْقَتْلِ مِنْ جِهَةِ الْإِيثَارِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَقِيلَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ

ــ

[حاشية العطار]

كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ (قَوْلُهُ: لِإِيثَارِ نَفْسِهِ بِالْبَقَاءِ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ كَالْقَطْعِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِيثَارُ بِالْبَقَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُفَوِّتًا لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَمْتَثِلْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: الَّذِي خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا الْمُكْرَهُ) نَعْتٌ لِمُكَافِئِهِ وَالْهَاءُ فِي خَيَّرَهُ لَيْسَتْ عَائِدَ الْمَوْصُولِ بَلْ تَعُودُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْعَائِدُ الضَّمِيرُ فِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَوْصُولِ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ الَّذِي خَيَّرَهُ الْمُكْرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الَّذِي مُثَنًّى فِي الْمَعْنَى صِفَةٌ لِلْبَقَاءَيْنِ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ مُضَافًا إلَى قَوْلِهِ مُكَافِئَةٌ بِدَلِيلِ إتْيَانِهِ بِالْعَائِدِ مُثَنًّى فِي قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِالْقَتْلِ) قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَيَأْثَمُ بِالْإِيثَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِثْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا الْقَتْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ وَلَا بِنَقِيضِهِ لَا حَالَ مُبَاشَرَتِهِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَلَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا تُوجَدُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ التَّكْلِيفُ وَالنَّهْيُ إلَّا بِإِيثَارِهِ نَفْسَهُ أَيْ بِالْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ فَالْإِثْمُ إنَّمَا هُوَ بِهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُوَافَقَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ إنَّمَا صَرَّحَ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ فَهُوَ أَيْ الْقَتْلُ ذُو جِهَتَيْنِ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلَا إثْمَ مِنْ نَاحِيَتِهَا وَجِهَةِ الْإِيثَارِ وَلَا إكْرَاهَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ أَصْلُ الْقَتْلِ لَا عِقَابَ فِيهِ وَالْقَتْلُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ عِقَابٌ لِتَضَمُّنِهِ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ إيثَارُ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ.

فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِثْمَ بِالْقَتْلِ مِنْ جِهَةِ الْإِيثَارِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ إلَخْ أَنَّ إثْمَهُ بِالْقَتْلِ لِأَجْلِ تَضَمُّنِ ذَلِكَ الْقَتْلِ إيثَارَ نَفْسِهِ وَلَا يَنْهَضُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِالْقَتْلِ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ بِهِ وَإِثْمُ فَاعِلِهِ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْإِيثَارَ.

وَأَمَّا جَعْلُهُ الْإِثْمَ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِيثَارِ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِهِ فَلَا يُنَاسِبُ فَرْضَ هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَدْعِي لِفَرْضِ كَوْنِ السُّؤَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِثْمُ الْقَاتِلِ إلَخْ مُتَعَلِّقَيْنِ بِحَالِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْعَزْمَ لَا يَكُونُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ بَلْ قَبْلَهَا وَهَذَا الْعَزْمُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى يَأْثَمُ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي إثْمَهُ بِالْقَتْلِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ تَضَمُّنِهِ الْإِيثَارَ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>