لِقُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِي بِالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِدَاعِي الشَّرْعِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَنَوَاهَا عِنْدَ أَخْذِهَا مِنْهُ أَوْ بِنَقِيضِهِ صَابِرًا عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ الصَّبْرَ عَلَيْهِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ صَابِرًا عَلَى الْعُقُوبَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالثَّانِي لِلْأَشَاعِرَةِ
ــ
[حاشية العطار]
يَعْنِي قَبْلَ التَّلَبُّسِ فِي الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِقُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِنَوْعَيْهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الِامْتِثَالِ إلَى الْإِشَارَةِ إذْ الِامْتِثَالُ يُضَافُ لِلتَّكْلِيفِ دُونَ الْمُكَلَّفِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزَّكَاةِ فَنَوَاهَا) قَالَ النَّاصِرُ لَوْ قَالَ فَنَوَاهُ لَكَانَ أَوْفَقَ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَلِلْوَاقِعِ قَالَ سم وَجَّهَ لَهُ وَلِلْوَاقِعِ أَنَّ الْمَنْوِيَّ فِي الْوَاقِعِ هُوَ أَدَاؤُهَا هَذَا مُرَادُهُ ثُمَّ رَدَّ الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي نِيَّةِ الزَّكَاةِ مُلَاحَظَةُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ زَكَاةٌ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَقَصْدُهُ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِ مَذْهَبِ الشَّيْخِ مُوَافِقًا لِاعْتِرَاضِهِ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى اعْتِقَادِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَالنَّاصِرُ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِالنَّقِيضِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِالصَّبْرِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا يَحْصُلُ النَّقِيضُ إلَّا بِهَذَا الصَّبْرِ وَكُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَأَجَابَ النَّاصِرُ بِجَعْلِهِ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِنَقِيضِهِ مُجَرَّدًا عَنْ النَّظَرِ إلَى التَّكْلِيفِ بِهِ وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ آخَرَ أَوْضَحَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّارِعُ إلَخْ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أُكْرِهَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي كَلَّفَهُ الشَّارِعُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ دُونَ التَّكْلِيفِ بِالنَّقِيضِ فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ بِهِ بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ دُونَ التَّكْلِيفِ بِالنَّقِيضِ تَارَةً يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَتَارَةً لَا يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ تَعَاطِي الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْصِيلَ الْمَنْدُوحَةِ فِي الْإِكْرَاهِ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ ارْتِكَابُهَا وَتَارَةً لَا وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لَا تُنَافِي وُجُوبَ الصَّبْرِ عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ مُطْلَقًا إذَا كُلِّفَ بِنَقِيضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ فِي صِحَّةِ تَوْجِيهِهِ حِينَئِذٍ بِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفِعْلَ لِلْإِكْرَاهِ إلَخْ الْمُقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ نَظَرَ فِي التَّكْلِيفِ إلَى حَالِ الْمُبَاشَرَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ ثُبُوتُ التَّكْلِيفِ قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ وَانْقِطَاعِهِ حَالَ حُدُوثِهِ اهـ.
قَالَ سم وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ مُنَافٍ لِأَصْلِهِمْ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّكْلِيفِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ حُدُوثِ الْفِعْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ عَكْسُ أَصْلِهِمْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ لَا بِحَالِ حُدُوثِهِ إذْ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ قَبْلَ الْحُدُوثِ وَيَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ حَالَ الْحُدُوثِ وَلَا خَفَاءَ فِي قُوَّةِ هَذَا الْإِشْكَالِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَزِلَةِ هُنَا بَعْضُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ السَّيِّدِ الْمُعْتَزِلَةَ فِي قَوْلِ الْمَوَاقِفِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْقُدْرَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَكْثَرِهِمْ وَإِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ خَالَفَ بَقِيَّةَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِ إنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ حَالُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لِلْأَشَاعِرَةِ) أَيْ لِجُمْهُورِهِمْ إذْ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ مَنْ قَالَ إنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute