فِي الْمَطْلُوبِ بِالْمَخْصُوصِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ فَالِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ أَمَكْرُوهٌ هُوَ أَمْ خِلَافُ الْأَوْلَى اخْتِلَافٌ فِي وُجُودِ الْمَخْصُوصِ فِيهِ كَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ خِلَافَ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ»
وَأُجِيبَ بِضَعْفِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَتَقْسِيمُ خِلَافِ الْأَوْلَى زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأُصُولِيِّينَ أَخْذًا مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَابَلُوا الْمَكْرُوهَ بِخِلَافِ الْأَوْلَى فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا وَمِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ بِالنَّهْيِ
ــ
[حاشية العطار]
الْخِطَابَيْنِ الْمَدْلُول عَلَيْهِمَا بِهِمَا. اهـ.
وَمَا قَالَهُ الْأَوَّلَانِ أَوْفَقُ بِكَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الشِّهَابِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَطْلُوبِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَنَّ الطَّلَبَ لِلتَّرْكِ الْكَائِنَ فِي نَهْيِ أَوْ تَرْكِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِالْمَخْصُوصِ وَمَعْنَى كَيْنُونَتِهِ فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: أَشَدُّ) وَجْهُ الْأَشَدِّيَّةِ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا ثَبَتَ قَصْدًا وَمَا ثَبَتَ ضِمْنًا وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ مِنْ الثَّانِي أَيْ آكَدُ (قَوْلُهُ: فَالِاخْتِلَافُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ اخْتِلَافٌ فِي وُجُودِ الْمَخْصُوصِ أَيْ وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافُ الْأَوْلَى) أَيْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى رَجَحَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ لِأَنَّهُ أَنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ دَلِيلِ سَنِّ إفْطَارِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَفْطَرَ فِيهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أُمِّ الْفَضْلِ أُمَامَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نِسَاءً اخْتَلَفْنَ عِنْدَهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُهُنَّ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُنَّ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْت إلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ» وَلَيْسَ النَّهْيُ مُسْتَفَادًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ لِضَعْفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: زَادَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الْكَمَالُ الْمَعْرُوفُ لِلْأُصُولِيَّيْنِ تَقْسِيمُ الْأَحْكَامِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهِيَ مَا عَدَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ طَلَبُ التَّرْكِ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ ذُو النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ آكَدُ مِنْهَا فِي الثَّانِي وَهُوَ ذُو النَّهْيِ غَيْرِ الْمَخْصُوصِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَشْيَاءَ هَلْ هِيَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي خَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الثَّانِيَ بِاسْمِ خِلَافِ الْأَوْلَى تَمْيِيزًا لَهُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ التَّعَرُّضُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فَظَهَرَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى وَجَعْلَهُ اسْمًا لِنَوْعٍ مِنْ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ أَمْرٌ اخْتَرَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَنَّهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِطَرِيقَةِ الْأُصُولِيِّينَ مُخَالِفٌ لِطَرِيقَةِ الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا سَمَّوْا بِخِلَافِ الْأَوْلَى مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمِ بَلْ تَسْمِيَةُ الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى صَادِرٌ عَنْ غَفْلَةٍ عَنْ مُنَافَاتِهِ لِلْأَدَبِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَخْذًا) قَالَ النَّاصِرُ أَخْذُ الْمُسَمَّى صَحِيحٌ وَأَمَّا أَخْذُ الِاسْمِ فَلَا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِذَلِكَ لَا تَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَةَ طَلَبِ تَرْكِهِ بِذَلِكَ وَفِيهَا بَشَاعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى اهـ.
وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ كَلَامِ الْكَمَالِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ تَسْمِيَةَ طَلَبِ التَّرْكِ بِذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِتَسْمِيَةِ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُنَاقَشَ فِيهِ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُمْ لَمَّا أَطْلَقُوا خِلَافَ الْأَوْلَى عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ صَحَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى نَفْسِ الطَّلَبِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلَّقِ عَلَى الْمُتَعَلَّق وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ذُو خِلَافٍ الْأَوْلَى أَيْ الطَّلَبُ الْمُتَعَلِّقُ بِتَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى.
وَأَمَّا الْبَشَاعَةُ فَقَدْ يُخَفِّفُ أَمْرَهَا أَنَّ الْأَسَامِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُلَاحَظَةُ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْمَحْذُورِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَخْفَى صُعُوبَةُ تَسْمِيَةِ الطَّلَبِ بِذَلِكَ عَلَى الْقُلُوبِ اهـ.
أَقُولُ دَعْوَى أَنَّ الْأَسَامِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُلَاحَظَةُ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ يُبْطِلُهَا اسْتِقْرَارَ الْمَنْقُولَاتِ كَيْف وَالْمَنْقُولُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ فَتَأَمَّلْ لَا يُقَالُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ أَشْنَعُ مِنْ إطْلَاقِ خِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُخَالِفِ الْأَوْلَى وَلَمْ يُشْتَهَرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ غَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي مُثْبِتِ الْحُرْمَةِ وَمُثْبِتُ الْكَرَاهَة فِي مُتَعَلَّقِهِمَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ إطْلَاقِهِمَا الْمَذْكُورِ مُنَافَاةً لِلْأَدَبِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ) أَيْ مِنْ كَلَامِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَحَيْثُ ظَرْفٌ لِهَذَا الْمَحْذُوفِ.
(قَوْلُهُ: فِي النِّهَايَةِ) أَيْ فَرَّقَ فِي النِّهَايَةِ أَوْ فَارَقَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ إنَّمَا نُقِلَ فِيهَا الْفَرْقُ وَلَكِنْ لَمَّا أَقَرَّهُ كَانَ كَأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ مَا فَرَّقَ بَلْ نَقَلَ الْفَرْقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ