الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِ الْمَخْصُوصِ أَيْ الْعَامِّ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَيُطْلِقُونَ الْمَكْرُوهَ عَلَى ذِي النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِ الْمَخْصُوصِ وَقَدْ يَقُولُونَ فِي الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا يُقَالُ فِي قِسْمِ الْمَنْدُوبِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَعَلَى هَذَا الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأُصُولِيِّينَ يُقَالُ أَوْ غَيْرُ جَازِمٍ فَكَرَاهَةٌ.
(أَوْ) اقْتَضَى الْخِطَابُ (التَّخْيِيرَ)
ــ
[حاشية العطار]
فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّهَايَةِ التَّعَرُّضُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ يُقَالُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَمَا لَا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَكُونَ مُصَرَّحًا بِهِ كَقَوْلِهِ لَا تَفْعَلُوا كَذَا أَوْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ كَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ بِمُسْتَحَبٍّ فَإِنَّ تَرْكَهُ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ لِأَنَّا اسْتَفَدْنَاهُ بِاللَّازِمِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ.
(قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ) قَالَ الشِّهَابُ فَسَّرُوا الْمَقْصُودَ بِالصَّرِيحِ وَغَيْرَ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِ الصَّرِيحِ فِرَارًا مِمَّا يَقْتَضِي غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يَقْصِدْ النَّهْيَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ أَنْ يُرَادَ الْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ بَلْ بِالْقَصْدِ التَّبَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْعَامُّ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ) قَالَ الشِّهَابُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّهْيَ الطَّالِبَ لِتَرْكِ شَيْءٍ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَوَامِرِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ خَاصًّا لِأَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِشَيْءٍ خَاصٍّ لَكِنَّهُ لِتَوَقُّفِ طَلَبِهِ لِتَرْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عَامٍّ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَامٌّ بِسَبَبِ تَوَقُّفِ تَوَقُّفِهِ عَلَى عَامٍّ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِصَلَاةِ الضُّحَى مَثَلًا نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهَا وَهَذَا النَّهْيُ خَاصٌّ لِخُصُوصِ مُتَعَلِّقِهِ لَكِنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَلَمَّا تَوَقَّفَ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْعَامِّ وُصِفَ بِأَنَّهُ عَامٌّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ نَهْيٌ عَامٌّ مُتَعَلِّقٌ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَانَتْ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْهَا وَخَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَأَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ نَهْيٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدِّهِ سِيَّمَا إنْ قُلْنَا إنْ عَيَّنَهُ كَمَا سَيَجِيءُ فَالْأَصْوَبُ تَعْبِيرُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ اهـ.
وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ لَا كَوْنُ النَّهْيِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَالنَّهْيُ الصَّرِيحُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ غَيْرُ عَامٍّ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لِثُبُوتِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِ الضِّمْنِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمُتَعَلِّقِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ قَوْلُنَا كُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ تَوَقُّفُ ثُبُوتِ النَّهْيِ لِمُتَعَلِّقِهِ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ، وَعَدَمُ تَوَقُّفِهِ لَا الشُّمُولُ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَعَدَمُ الشُّمُولِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشِّهَابِ أَنَّ قَوْلَهُ نَظَرًا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَيْ الْعَامِّ وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ خُلُوُّ قَوْلِهِ عُدِلَ عَنْ التَّعْلِيلِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ حِينَئِذٍ إذْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِالْعُدُولِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِظُهُورِهِ وَصَرِيحُ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ يَعْنِي عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَخْصُوصِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِمُتَعَلِّقِهِ وَإِلَى غَيْرِ الْمَخْصُوصِ أَيْ الْعَامِّ نَظَرًا إلَى دَلِيلٍ يَعُمُّ الْأَوَامِرَ النَّدْبِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَالنَّهْيُ فِيهِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ بِمُتَعَلِّقِهِ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ النَّدْبِيِّ بِوَاسِطَةِ هَذَا الدَّلِيلِ الْعَامِّ. اهـ.
يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَدَلَ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ عِلَّةٌ لِلْعُدُولِ نَظَرًا لِلْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ وَيُمْنَعَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَفْسِيرِ غَيْرِ الْمَخْصُوصِ الْعَامِّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَهِيَ دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ مَا يَشْمَلُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً حَتَّى يَتَوَجَّهَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بَلْ الْعَامُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ اسْتِفَادَةَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا تَحْتَاجُ إلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهَا أَدِلَّةً مَخْصُوصَةً كَالنَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ هَذَا النَّهْيِ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍّ فَمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ نَظَرًا إلَى جَمِيعِ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةِ نَظَرًا إلَى مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوَامِرِ النَّدْبِيَّةَ أَيْ نَظَرًا إلَى تَوَقُّفِهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute