بَيْنَ فِعْلِ الشَّيْءِ وَتَرْكِهِ فَإِبَاحَةُ ذِكْرِ التَّخْيِيرِ سَهْوٌ إذْ لَا اقْتِضَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالصَّوَابُ أَوْ خُيِّرَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ عَطْفًا عَلَى اقْتَضَى وَقَابَلَ الْفِعْلَ بِالتَّرْكِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ الْمُقْتَضَى فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلٌ هُوَ الْكَفُّ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ وَأَنَّهُ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ.
(وَإِنْ وَرَدَ) الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ بِكَوْنِ الشَّيْءِ (سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ
ــ
[حاشية العطار]
مَا يَعُمُّهَا.
(قَوْلُهُ: بَيْنَ فِعْلِ الشَّيْءِ وَتَرْكِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ الْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إلَى بَدَلٍ أَوْ لَا اهـ. نَاصِرٌ.
(قَوْلُهُ: ذِكْرُ التَّخْيِيرِ سَهْوٌ) تَكَلَّفَ فِي دَفْعِهِ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاقْتِضَاءِ الْإِفَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لَا خُصُوصُ الطَّلَبِ كَمَا هُوَ مَبْنَى الْحُكْمِ بِالسَّهْوِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَمِنْهَا أَنَّ اقْتَضَى يَأْتِي بِمَعْنَى أَعْلَمَ وَبِمَعْنَى أَدَّى غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْمُشْتَرَكَ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَلَى تَضْمِينِ اقْتَضَى مَعْنَى يَصْلُحُ لَأَنْ يَقَعَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا أَيْ إفَادَةِ الْخِطَابِ التَّخْيِيرَ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْوَاوِ وَكُلُّهَا تَمَحُّلَاتٌ.
(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْعُرْفِ) أَيْ الَّذِي لَا يَعُدُّ التَّرْكَ فِعْلًا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا نُفِلَ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمَذْكُورَةَ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَإِنَّ التَّرْكَ إلَخْ فَحَذَفَ الْجَوَابَ وَأَبْقَى عِلَّتَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ.
(قَوْلُهُ: الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ) قُيِّدَ بِالنَّفْسِيِّ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ اللَّفْظِيُّ لِأَنَّ الشَّائِعَ إسْنَادُ الْوُرُودِ إلَيْهِ دُونَ النَّفْسِيِّ وَإِنْ كَانَ الْإِسْنَادُ إلَى كُلٍّ مَجَازًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوُرُودِ الْمَجِيءُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ.
(قَوْلُهُ: بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَخْ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمُتَعَلِّقِ لِمُتَعَلِّقِهِ لَا لِلتَّعَدِّيَةِ لِاقْتِضَائِهَا وُقُوعَ الْوُرُودِ عَلَى الْكَوْنِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: وَصَحِيحًا وَفَاسِدًا) جُعِلَ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَوْنُ الشَّيْءِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَرَدَّهُ الْعَضُدُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْوَضْعِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَعْدَ وُرُودِ أَمْرِ الشَّرْعِ بِالْفِعْلِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ صَحِيحًا أَيْ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ أَوْ بَاطِلًا أَيْ مُخَالِفًا لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ فَهُوَ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ هُوَ عَقْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ فَقَالَ جَعْلُهَا لِلتَّقْسِيمِ يَقْتَضِي وُرُودَ الْخِطَابِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الْوَضْعَ هُوَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِذَلِكَ وَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ إذْ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ أَحَدَهَا وَضْعٌ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُهُ فَالصَّوَابُ بِشَهَادَةِ الذَّوْقِ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ إذَا كَانَتْ الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ وَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ وَرَدَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنْ وَرَدَ كَوْنُهُ سَبَبًا مَثَلًا فَإِنَّ وُرُودَ كَوْنِهِ سَبَبًا يَسْتَلْزِمُ وُرُودَهُ بِكَوْنِهِ أَحَدَهَا فَلَا إشْكَالَ قَالَ وَنَظِيرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ اهـ.
وَلَمَّا أَوْرَدَ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَيْهِ أَنَّ أَوْ فِيهِ لِلتَّرْدِيدِ وَهُوَ يُنَافِي التَّحْدِيدَ أَجَابَ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ بِمَا حَاصِلُهُ كَمَا بَيَّنَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَلَوْ صَحَّ اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ لَزِمَ بُطْلَانُ هَذَا الْجَوَابِ الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَى قَبُولِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُنْقَسِمُ تَعَلُّقُهُ إلَى الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ مَعَ أَنَّهُ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَقَطْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ فَدَلَّ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى التَّقْسِيمِ مَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ اهـ.
وَأَقُولُ كَلَامُ سم مَآلُهُ جَعْلُ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا لَا يَخْفَى فَهُوَ تَسْلِيمٌ لِلِاعْتِرَاضِ فَتَشْنِيعُهُ عَلَى شَيْخِهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا يَقْتَضِيه عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَلْجَأَ إلَّا الِاعْتِرَافَ بِهِ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْحَوَاشِي الْمُتَأَخِّرَةِ شَنَّعَ عَلَى سم وَبَعْضًا انْتَصَرَ لَهُ وَلَمْ يَأْتِيَا بِمَا