للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَقِيلَ سَمِعَهُ بِلَفْظٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ

ــ

[حاشية العطار]

تَعَالَى تَوَلَّى خَلْقَهُ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُ غَيْرِ الصَّوْتِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَتَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَعْلُومًا بِوَاسِطَةِ سَمَاعِ الصَّوْتِ كَانَ مَسْمُوعًا فَالِاخْتِلَافُ لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: خَرْقًا لِلْعَادَةِ) أَيْ وَقَعَ فِي حَالِ كَوْنِهِ خَرْقًا أَيْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَمِعَهُ) وَعَلَيْهِ فَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ بِمَعْنَى عِنْدَ.

(قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ) قَالَ سم لَعَلَّ وُقُوعَ السَّمَاعِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِمَحْذُورٍ فِي السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَعَالِيَهُ عَنْ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا يُنَافِيه لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمَسْمُوعَةُ قَائِمَةً بِذَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ فِي مَحَلٍّ اهـ.

وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِجَمِيعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ سَمِعَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَيْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِسْمَاعِ الَّذِي هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْمَعُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَبَّرَ بِهَذَا هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ إمَّا لِلتَّفَنُّنِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَبَّرَ بِالْخَرْقِ وَالثَّانِي لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّفْظِ، عَبَّرَ بِالْمُخَالَفَةِ الَّتِي هِيَ أَدْوَنُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ لِسَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَوْ اللَّفْظِيَّ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَلَا يُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُ خُوطِبَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أُرِيدَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنْتَظِمُ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَزَلِيُّ وَأُرِيدَ بِسَمَاعِهِ فَهْمُهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ فَمَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سَاقَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جِهَةٍ بِصَوْتٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلْعِبَادِ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ سَمَاعِنَا.

(قَوْلُهُ: يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُسَمَّاهُ الْعَائِدِ عَلَى الْخِطَابِ.

(قَوْلُهُ: بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ كَيْفَ يَتَأَتَّى خِطَابُ غَيْرِ الْمَوْجُودِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَكْفِي تَقْدِيرُ وُجُودِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّنْزِيلَ الْمَذْكُورَ يُنَافِي كَوْنَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَجَازٌ لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ أَوْ إطْلَاقُ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَزَّلَ الْمُخَاطَبُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَخُوطِبَ فَوَقَعَ الْخِطَابُ بَعْدَ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْمَجَازُ فِي التَّنْزِيلِ لَا فِيهِ وَكَوْنُ الْخِطَابِ حَقِيقَةً لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُخَاطَبِ بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ.

هَذَا مُحَصِّلُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فَبَعْدَ جَعْلِ الْمُشَبَّهِ هُوَ الْمُشَبَّهَ بِهِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَأَيْضًا التَّسْمِيَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَتَجُوزُ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ خِطَابًا بِتَأْوِيلِ أَنَّ مَنْ يُخَاطِبُ كَمَنْ خُوطِبَ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ الْخِطَابَ بِالْكَلَامِ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ يُفْهَمُ سُمِّيَ خِطَابًا بِالْفِعْلِ وَإِنْ فَسَّرَ بِمَا أَفْهَمَ بِالْفِعْلِ فَلَا كَمَا أَفَادَهُ الْعَضُدُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْكَمَالُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّهُ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْخِطَابِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَشَعَّبَتْ فِيهَا آرَاءُ الْفُضَلَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ شَيْخِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>