الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ (وَ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ (قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا
ــ
[حاشية العطار]
أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَصِيرُهُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعِلْمِ وُجُودُهُ وَاسْتِجْمَاعُهُ شَرَائِطُ التَّكْلِيفِ فَهُوَ مَعْدُومٌ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ الْأَزَلِيِّ.
وَقَدْ تَمَادَى الْمُشَنِّعُونَ عَلَيْهِ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَى انْكِفَافِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَسْلَكَيْنِ لِلْأَصْحَابِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا أَوْرَدَهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا رُسِمَتْ لِسُؤَالِ الْمُعْتَزِلَةِ إذْ قَالُوا لَوْ كَانَ الْكَلَامُ أَزَلِيًّا لَكَانَ أَمْرًا وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَتَعَلَّقَ بِالْمُخَاطِبِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، فَإِذَا أَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ ارْتِبَاطٍ بِمُخَاطِبٍ فَقَدْ رُفِعَ السُّؤَالُ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ وَهَذَا مُنْتَهَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ.
وَأَنَا أَقُولُ: إنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمَعْقُولِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ تَلْبِيسٌ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُودَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْمَأْمُورِ مَأْمُورًا أَوْ إذَا لَاحَ ذَلِكَ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَمْرٍ بِلَا مَأْمُورٍ وَهَذَا مُعْضِلٌ أَرِبٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَفَرْضُ مُتَعَلِّقٍ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ مُحَالٌ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ فَيُنَافِي غَيْبَةَ الْمَأْمُورِ فَهُوَ تَمْوِيهٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ أَمْرًا خَارِقًا وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ فَرْضِ الْأَمْرِ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ وَإِذَا حَضَرَ الْمُخَاطِبُ قَامَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ إلْحَاقُ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَالْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ لَيْسَ تَقْدِيرًا فَهَذَا مَا نَسْتَخِيرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ وَإِنْ أَسْعَفَ الزَّمَانُ أَمْلَيْنَا مَجْمُوعًا مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ شِفَاءُ الْغَلِيلِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ وُجُودَ الْمُخَاطِبِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْكَلَامِ الْحِسِّيِّ، وَأَمَّا النَّفْسِيُّ فَيَكْفِيه وُجُودُ الْعَقْلِيِّ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى التَّنْزِيلِ وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ دَعْوَى تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ الْحَقُّ أَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الْإِتْيَانَ بِهِ حَالَ الْوُجُودِ مَحَلُّ إشْكَالٍ إذْ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ الْخِطَابَ فَلَا بُدَّ لِلطَّلَبِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْإِتْيَانَ حَالَ الْوُجُودِ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) هَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ الْقَطَّانِ أَحَدِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ.
وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَإِنَّمَا نُثْبِتُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَاطِبِينَ كَمَا يَتَّصِفُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا فِيمَا لَا يَزَالُ وَإِيضَاحُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَخَاصِّيَّتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ الْكَلَامِ أَمْرًا مِنْ حَقِيقَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَصِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْحَقَائِقُ يَسْتَحِيلُ تَجَدُّدُهَا وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا حُكْمٌ حَقِيقَةً رَاجِعٌ إلَى ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وُقُوعُ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ.
وَنَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ أَيْضًا قَدْ أَثْبَتَّ كَلَامًا خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا فَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْأَزَلِيَّةَ لَيْسَتْ كَلَامًا أَزَلًا ثُمَّ يَسْتَجِدُّ كَوْنُهَا كَلَامًا فِيمَا لَا يَزَالُ فَقَدْ لَاحَ سُقُوطُ مَذْهَبِهِ اهـ.
وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَرُدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَخْ) زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا فَيَتِمُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ إلَخْ الْأَقْسَامِ) وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هُوَ فِي الْأَصْلِ