للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ لِعُذْرِهِمْ أَيْ الْحَيْضُ الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا، وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ شُهُودَ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ

ــ

[حاشية العطار]

الْأُصُولِ أَنَّ مَذْهَبَنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَأْخِيرُهُ إلَى زَوَالِ الْعُذْرِ، وَيَكْفِي هَذَا مَعَ نَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ سَلَفًا لِلْمُصَنِّفِ وَنَقْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ إنَّمَا يُعَارِضُ نَقْلَ ابْنِ بَرْهَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِأَصْحَابِنَا.

(قَوْلُهُ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُونَ مُخَاطَبِينَ بِهِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ بِمَعْنَى أَنَّ ذِمَّتَهُمْ مَشْغُولَةٌ بِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ.

(قَوْلُهُ: وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ) فِيهِ إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْحَائِضُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ شَهِدُوا الشَّهْرَ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ.

وَأَمَّا الْكُبْرَى فَدَلِيلُهَا الْآيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ مُؤْذِنٌ بِعِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّوْمِ شُهُودُ الشَّهْرِ أَيْ حُضُورُهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُعَارَضًا بِالدَّلِيلِ السَّابِقِ احْتَاجَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ) الْمَنْعُ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ إلَخْ لَا يُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ لِظُهُورِ انْتِفَائِهِ وَلَا الْمَانِعُ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْوُجُوبُ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ أَيْ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ مَا أَدَّى إلَى التَّلَفِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ اهـ. نَاصِرٌ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ تَحْرِيمًا بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ كَانَ فَاسِدًا غَيْرَ مُجْزِئٍ، وَهَذَا لَيْسَ إلَّا فِي الْحَيْضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ فَإِنَّهُمَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُجْزِئُ مَعَ التَّحْرِيمِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَمْ مُمْتَنِعَةٌ وَقَوْلُهُ: وَالْمَرَضُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ الْفِعْلِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ لِشُهُودِهِمْ الشَّهْرَ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ لِلْأَكْثَرِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ الْأَصْلُ وَاجِبًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِبَدَلِهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ وَاجِبًا فَيَكُونُ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِمْ حَالَةَ الْعُذْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ الْمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ وَقَعَ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ سَنَدًا لِكُبْرَى الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى السَّنَدِ غَيْرُ مُوَجَّهٍ مِنْ طَرَفِ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَالْوَجْهُ مَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْعٌ لِكُبْرَى الْقِيَاسِ.

(قَوْلُهُ: مُوجِبٌ) أَيْ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَالْعُذْرُ قَائِمٌ هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِهِمْ أَيْضًا عَنْ الدَّلِيلِ الثَّانِي حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي أَصْلَ الْوُجُوبِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ، وَقَدْ حَصَلَ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا أُجِيبَ عَنْهُ وَهُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>