فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا (مُعَيَّنٌ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْمَأْمُورَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالَبَهُ وَيَسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَجْهُولِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ الْمُعَيَّنَ فَذَاكَ، وَإِنْ فَعَلَ (غَيْرُهُ) مِنْهَا (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ عِلْمِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ بَلْ يَكْفِي فِي عِلْمِهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى قَوْلِنَا: التَّمَيُّزُ أَحَدُ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ (مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ) لِلْفِعْلِ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ.
(قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِهِ فِي الْقَوْلِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ إلَخْ) إشَارَةً لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا الْوَاجِبُ شَيْءٌ يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَهُ الْآمِرُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ إشَارَةً لِلصُّغْرَى بِقَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ وَلِبَيَانِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبُهُ وَالْكُبْرَى مَطْوِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ إلَخْ مَنْعٌ لِلْكُبْرَى، وَقَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي بَيَانٌ لِسَنَدِ الْمَنْعِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ أَيْ تَصَوُّرُ ذَاتِ الشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَاتَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا مَعْلُومَةٌ لَهُ تَعَالَى مُتَمَيِّزَةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ بَلْ الْمُرَادُ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ أَيْ الْعِلْمُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِأَنَّ الْعِلْمَ الْآمِرَ الْوَاجِبَ حَسْبَمَا أَوْجَبَهُ، وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدَ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَوْجَبَهُ، وَتَعَلُّقُ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ مِنْ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يُوجِبُ وُجُوبَ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ هُوَ عِلْمٌ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا وَيَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ.
(قَوْلُهُ: فَذَاكَ) أَيْ فَذَاكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَوْ ظَاهِرُ.
(قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ وَلَا اطِّلَاعَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ) بَلْ الْعِلْمُ بِهِ يَتْبَعُ الْأَمْرَ بِهِ.
(قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَنْ غَيْرِهِ الْمُبْهَمِ أَوْ عَنْ غَيْرِ أَحَدِ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ وَقَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا أَيْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ وَالضَّمِيرُ لِلْمُعَيَّنَاتِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ مُتَمَيِّزٌ مِنْ حَيْثُ تَعْيِينُ تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ الَّتِي دَارَ بَيْنَهَا وَانْحَصَرَ فِيهَا أَيْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْهَمٌ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ تَشَخُّصِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَشَخَّصُ بِتَلَبُّسِ الْفَاعِلِ بِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْأَفْعَالِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ اللَّهِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا