فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي قَالَ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً سَمَّيْنَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَيْرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ.
فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الِاسْمُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى فِي ذِهْنٍ كَانَ أَوْ خَارِجٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ
ــ
[حاشية العطار]
يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ اشْتِرَاكُ اللَّفْظِ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْخَارِجِيَّةِ أَوْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهَا مَجَازًا فِي بَاقِيهَا وَلَا قَائِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْأَفْرَادُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَفْرَادِ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ اسْتِعْمَالَ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِيهِ حَقِيقَةٌ اهـ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْفُضَلَاءِ غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَذَهَبَ الشَّيْخُ ابْنُ سِينَا وَالْفَارَابِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْقُطْبِ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذِهْنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْلُومُ بِالذَّاتِ لَا الْأَمْرُ الْعَيْنِيُّ بِمَا هُوَ عَيْنِيٌّ وَذَهَبَ النُّصَيْرُ الطُّوسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ وَالتَّفْتَازَانِي وَالدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِإِزَاءِ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمُلْتَفَتُ إلَيْهَا بِالذَّاتِ وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فَإِنَّهَا مِرْآةٌ لِمُشَاهَدَتِهَا وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لِمَا أَنَّ مَنَاطَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا فِي التَّمَدُّنِ إنَّمَا هُوَ الْمَعَانِي مُطْلَقًا لَا الْخُصُوصِيَّاتُ الذِّهْنِيَّةُ أَوْ الْخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّهَا مُلْغَاةٌ وَالْحَقُّ هُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَيْنِيًّا كَانَ أَوْ ذِهْنِيًّا وَقَوَّاهُ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ مَصْرُوفٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الشَّيْءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ اهـ.
فَهَذَا رُجُوعٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَامُ هَذَا كَلَامٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ
(قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي) ؛ لِأَنَّهَا التَّعْرِيفُ مَا فِي الضَّمِيرِ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِيهِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لَهُ (قَوْلُهُ: سَمَّيْنَاهُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَافٌ بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى هُوَ الْمَرْئِيُّ الْمَظْنُونُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُسَمَّى فِي الْخَارِجِ بِهَذَا الِاسْمِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِج وَالذِّهْنُ طَرِيقٌ لِلْخَارِجِ، وَالْوَضْعُ لَهُ كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ آخِرُ عِبَارَتِهِ
(قَوْلُهُ: لِظَنٍّ) خَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ لِاخْتِلَافٍ نَعْتٌ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافَ الِاسْمِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ أَيْ أُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ التَّابِعِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ تَابِعًا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ سَبَبُهُ ظَنُّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ كَالْمَعْنَى الَّذِي فِي الذِّهْنِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَرِدُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ لِظَنِّ مَا ذَكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ
(قَوْلُهُ: حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ) هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلتَّعْبِيرِ أَوْ نَعْتٌ لِتَابِعٍ أَيْ التَّعْبِيرُ قَدْرُ مَا أَدْرَكَهُ أَوْ تَابِعٌ قَدْرَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ) فَعَلَى هَذَا مُفَادُ الْكَلَامِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْخَارِجِ أَوْ الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: حَقِيقِيٌّ) عَلَى هَذَا يُقَالُ: إنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ، فَإِنَّهُ مَجَازٌ، وَفِيهِ أَنَّ الذِّهْنِيَّ وَالْخَارِجِيَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ وَاسْتُعْمِلَ فِي الذِّهْنِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ.
وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِبَارِ فَالِاخْتِلَافُ الِاعْتِبَارِيُّ فِيهَا مُضِرٌّ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَارِجِيًّا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ