(فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ) ، أَيْ: مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (الشَّرِكَةَ) فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَجُزْئِيٌّ) ، أَيْ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ يُسَمَّى جُزْئِيًّا كَزَيْدٍ (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فِيهِ (فَكُلِّيٌّ) سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فَرْدٌ مِنْهُ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ
ــ
[حاشية العطار]
الِاعْتِبَارِيَّةِ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى تَقْسِيمِ اعْتِبَارٍ مَحْضٍ، وَالِاعْتِرَاضُ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ تَخْلِيطُ التَّقْسِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاعْتِبَارِ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْتَفِرُهُ أَرْبَابُ التَّدْقِيقِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمَرَامِ وَتَثَبُّتِ الْإِفْهَامِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى) هِيَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الذِّهْنِ الْأَوَّلِ بِوُجُودٍ أَصْلِيٍّ، وَالثَّانِي بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ، وَالْمُنْقَسِمُ لِلْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيّ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِلْمَعْلُومِ.
(قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ) الِاتِّحَادُ صَيْرُورَةُ الشَّيْئَيْنِ، أَوْ الْأَشْيَاءِ شَيْئًا وَاحِدًا وَلَمَّا كَانَ هَذَا غَيْرَ مُرَادٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ إلَخْ، وَمَا فِي النَّاصِرِ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ إسْنَادِ الِاتِّحَادِ إلَى مَجْمُوعِ الشَّيْئَيْنِ وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُنَا فَلَا يُفِيدُهُ، بَلْ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَا مُتَعَدِّدٌ، وَقَدْ رَمَزَ الشَّارِحُ إلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ كُلُّ إلَخْ اهـ.
مَبْنِيٌّ عَلَى تَخَيُّلٍ بَعِيدٍ فَإِنَّ مَادَّةَ الِاتِّحَادِ يَتَبَادَرُ مِنْهَا ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ صَرْفٌ لِلْمُتَبَادِرِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ) إسْنَادُ الْمَنْعِ لِلتَّصَوُّرِ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ، وَإِلَّا، فَالْمَانِعُ النَّفْسُ، وَمَعْنَاهُ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: فَجُزْئِيٌّ) ، أَيْ: حَقِيقِيٌّ فَإِنَّ الْإِضَافِيَّ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الشَّرِكَةَ فَيَصْدُقُ بِالْكُلِّيِّ أَيْضًا، وَإِنَّمَا نَكَّرَهُ، وَمَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ انْحِصَارُ الْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَعَدِّدًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدًا وَعَكْسُهُ الْأَوَّلُ كَإِنْسَانٍ وَبَشَرٍ، وَالثَّانِي كَلَفْظِ الْعَيْنِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّيِّ، وَمِثْلُهُ الْجُزْئِيُّ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّقْسِيمِ فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ الْحَصْرُ قُلْت مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الطَّرَفَيْنِ؛ إذْ التَّقْدِيرُ، فَهُوَ، أَيْ: اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدُ الْجُزْئِيِّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ إلَخْ) اقْتَضَى صَنِيعَهُ جَعْلُ الْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ وَصْفَيْنِ لِلَّفْظِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، وَالْمَوْصُوفُ بِهِمَا حَقِيقَةُ الْمَعْنَى، وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ عَدَمُ خُرُوجِ التَّقْسِيمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ لِمَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُلِّ فَذَلِكَ الْمَعْنَى جُزْئِيٌّ إلَخْ وَلْيُطَابِقْ قَوْلَهُ فِيمَا بَعْدُ فَمُتَرَادِفٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فَذَلِكَ اللَّفْظُ مُتَرَادِفٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ هِيَ هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ أَمْ لَا تَعْطِفُ إلَّا عَلَى مَدْخُولِهَا وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَمَحْذُوفَةٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا قَالَهُ النَّاصِرُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ إذْ قَدْ يَجُوزُ حَذْفُ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَتَكُونُ الْمَوْجُودَةُ هِيَ هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَصْرِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَمْ قَدْ تَقَعُ بَعْدَ غَيْرِ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمْ بِهَا اعْطِفْ إثْرَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ) أَيْ وُجُودُ فَرْدٍ مُطَابِقٍ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلْكُلِّيِّ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ، وَإِلَّا، فَالْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ خَارِجًا، وَإِلَّا لَتَشَخَّصَ فَيَكُونُ جُزْئِيًّا عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ فِي وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ.
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِامْتِنَاعِ وَنَحْوِهِ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ أَوْسَعُ دَائِرَةً مِنْ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ الذِّهْنَ يَتَصَوَّرُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّ الذِّهْنَ إنَّمَا يَنْتَزِعُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا الْحَصْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ الِانْتِزَاعِيِّ دُونَ الِاخْتِرَاعِيِّ، وَالْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ مُنْقَسِمٌ إلَيْهِمَا فَيَلْزَمُ بِمُقْتَضَى الْحَصْرِ الِانْحِصَارُ فِي الِانْتِزَاعِيِّ.
(قَوْلُهُ:، أَوْ أَمْكَنَ) هَذَا الْإِمْكَانُ هُوَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ مُقَيَّدًا بِجَانِبِ الْوُجُودِ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ لِلْمُمْتَنِعِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ سَلْبَ ضَرُورَةِ الْعَدَمِ يَعُمُّ الْوُجُوبَ دُونَ الِامْتِنَاعِ كَمَا أَنَّ الْإِمْكَانَ الْعَامَّ مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ مَعْنَاهُ سَلْبُ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الِامْتِنَاعَ وَأَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْجَمِيعَ، فَهُوَ مُطْلَقُ الْإِمْكَانِ يَعْنِي: سَلْبَ الضَّرُورَةِ عَنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ: الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ، فَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْمُمْتَنِعِ مُقَابِلًا لَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ فَلَا يَنْدَرِجُ