لِوُجُودِ النَّهْيِ وَلَا عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ (وَ) قَالَ (الْآمِدِيُّ) مَحْمَلُهُ (اللُّغَوِيُّ) لِتَعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّهْيِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ مَا يُسَمَّى شَرْعًا بِذَلِكَ الِاسْمِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا يُقَالُ صَوْمٌ صَحِيحٌ وَصَوْمٌ فَاسِدٌ وَلَمْ يَذْكُرَا غَيْرَ هَذَا الْقِسْمِ مِثَالُ الْإِثْبَاتِ مِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ» فَيُحْمَلُ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَيُفِيدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ نَفْلٌ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَمِثَالُ النَّهْيِ مِنْهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ» وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ خِلَافٌ فِي تَقَدُّمِ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ
(وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ) بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ عَلَيْهَا (أَقْوَالٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
ــ
[حاشية العطار]
وَغَيْرُ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ إرَادَتُهُمَا مِنْهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُجْمَلٌ أَيْ مُحْتَمِلٌ لَهُ إذْ لَا احْتِمَالَ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَاحْتِمَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الشَّرْعِيِّ وَغَيْرِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ مُجْمَلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ.
وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا عَدَمَ الْإِمْكَانِ عَقْلًا حَتَّى يَسْتَحِيلَ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ بَعِيدًا فَلَا يَسْتَدْعِي عَدَمَ جَوَازِ إرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مُجْمَلًا أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: لِوُجُودِ النَّهْيِ) لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ لَا يَنْهَى عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَزِمَ صِحَّةُ صَوْمِهِ إذْ لَا يَنْهَى إلَّا عَمَّا يُمْكِنُ صَوْمُهُ شَرْعًا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَانَ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ صَوْمٌ صَحِيحٌ إلَخْ) سَنَدٌ لِقَوْلِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: غَيْرَ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ مَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ فَقَطْ أَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ وَهُمَا مَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى عُرْفِيٌّ وَمَا لَهُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فَلَمْ يَذْكُرَاهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ نَفْلٌ) لِجُمْلَةٍ مُعْتَرِضَةٍ وَقَوْلُهُ بِنِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةٍ أَوْ بِنَفْلٍ.
(قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ) الْمُرَادُ الصَّوْمُ اللُّغَوِيُّ لَا الشَّرْعِيُّ لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَقْبَلُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُوبُ الْأَكْلِ يَوْمَ الْعِيدِ لِيَحْصُلَ انْتِفَاءُ الْإِمْسَاكِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَأَنَّ الْحَائِضَ مَنْهِيٌّ عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي نُهِيَتْ عَنْهُمَا وَالْتِزَامُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الْبُطْلَانِ فَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ.
(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّرْعِيِّ خُصُوصَ الْحَقِيقَةِ بَلْ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ.
(قَوْلُهُ: الْمَجَازُ) أَيْ فِي مُسَمَّاهُ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي تَعَارُضِ) أَيْ مَعَ اتِّحَادِ الْعُرْفِ وَإِلَّا قُدِّمَ الشَّرْعِيُّ ثُمَّ الْعُرْفِيُّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ هُنَا الْمَعْنَى لِوَصْفِهِ بِالرُّجْحَانِ وَكَذَلِكَ الْحَقِيقَةُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ إلَخْ مُرَادٌ بِهِ اللَّفْظُ فَفِيهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَجَازِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ إلَخْ) أَيْ فَرُجْحَانُهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ دَائِمًا بَلْ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرُ.
(قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْأَوْلَى الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا تَشْهَدُ بِهِ كُتُبُ الْحَنَفِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَعِنْدَهُ يَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ إذْ الْحِنْطَةُ تُقْلَى وَتُغْلَى وَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْهَرِيسَةُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَأَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عَمَلًا بِعُمُومِ