للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ نِظَامِهِمَا الْمُشَاهَدِ مُنَاسِبٌ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ لِلُزُومِهِ لَهُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاكِمِ مِنْ التَّمَانُعِ فِي الشَّيْءِ وَعَدَمِ الِاتِّفَاقِ

ــ

[حاشية العطار]

لِأَنَّ آلِهَةً جَمْعٌ مُنَكَّرٌ فَلَا يَعُمُّ وَشَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ الْعُمُومُ وَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ مُسْتَثْنًى مِنْهَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَيُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ لَمْ يَفْسُدَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ) يَحْتَمِلُ الْجَرْيَ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَادِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا الْحَنَفِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمُسَايِرَةِ لِشَيْخِهِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّطِيفِ الْكَرْمَانِيَّ شَنَّعَ عَلَى السَّعْدِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْبَصْرَةِ قَدْ حَكَمَ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ إنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ ظَنِّيَّةٌ يَعْنِي أَبَا هَاشِمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا مَنَعَ الْمُلَازَمَةَ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال وَيَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْمَحْذُورَيْنِ إمَّا الْجَهْلُ أَوْ السَّفَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَالَغَ هَذَا الْمُشَنِّعُ.

وَقَدْ تَصَدَّى تِلْمِيذُ السَّعْدِ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّجَّارِيُّ لِرَدِّ هَذَا التَّشْنِيعِ قَائِلًا الْإِفَاضَةُ فِي الْجَوَابِ عَلَى وَجْهٍ يُرْشِدُ إلَى الصَّوَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ تَجْرِي مَجْرَى الْأَدْوِيَةِ مَتَى يُعَالَجُ بِهَا مَرَضُ الْقَلْبِ.

وَالطَّبِيبُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا مُسْتَعْمِلًا لِلْأَدْوِيَةِ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ الطَّبِيعَةِ وَضَعْفِهَا كَانَ إفْسَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ إصْلَاحِهِ فَكَذَلِكَ الْإِرْشَادُ بِالْأَدِلَّةِ إلَى الْهِدَايَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَدْرِ إدْرَاكِ الْعُقُولِ كَانَ الْإِفْسَادُ لِلْعَقَائِدِ بِالْأَدِلَّةِ أَكْثَرَ مِنْ إصْلَاحِهَا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الْإِرْشَادِ بِكُلِّ أَحَدٍ لَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمُؤْمِنُ الْمُصَدِّقُ سَمَاعًا أَوْ تَقْلِيدًا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّكَ عَقِيدَتُهُ بِتَحْرِيرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُطَالِبْ الْعَرَبَ فِي مُخَاطَبَتِهِ إيَّاهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِيمَانٍ وَعَقْدٍ تَقْلِيدِيٍّ أَوْ بِيَقِينٍ بُرْهَانِيٍّ، وَالْجَافِي الْغَلِيظُ الضَّعِيفُ الْعَقْلِ الْجَامِدُ عَلَى التَّقْلِيدِ الْمُصِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ مَعَهُ السَّيْفُ وَالسِّنَانُ، وَالشَّاكُّونَ الَّذِينَ فِيهِمْ نَوْعُ ذَكَاءٍ وَلَا تَصِلُ عُقُولُهُمْ إلَى فَهْمِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَالْيَقِينِ يَنْبَغِي أَنْ يُتَكَلَّفَ فِي مُعَالَجَتِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُقْنِعِ الْمَقْبُولِ عِنْدَهُمْ لَا بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ لِقُصُورِ عُقُولِهِمْ عَنْ إدْرَاكِهَا لِأَنَّ الِاهْتِدَاءَ بِنُورِ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَّا آحَادًا مِنْ الْعِبَادِ وَالْغَالِبُ عَلَى الْخَلْقِ الْقُصُورُ وَالْجَهْلُ فَهُمْ لِقُصُورِهِمْ لَا يُدْرِكُونَ بَرَاهِينَ الْعُقُولِ كَمَا لَا تُدْرِكُ نُورَ الشَّمْسِ أَبْصَارُ الْخَفَافِيشِ بَلْ تَضُرُّهُمْ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ كَمَا تَضُرُّ رِيَاحُ الْوَرْدِ لِلْجَعْلِ وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ:

فَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْمًا أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ

وَأَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي لَا يُقْنِعُهُ الْكَلَامُ الْخَطَابِيُّ فَتَجِبُ الْمُحَاجَّةُ مَعَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْبُرْهَانِيِّ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَيَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالتَّصْدِيقِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَبِتَوْحِيدِهِ يَشْمَلُ الْكَافَّةَ مِنْ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالدَّعْوَةِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ بِالْمُحَاجَّةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ إدْرَاكِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَاصِرُونَ وَلَا تُجْدِي مَعَهُمْ إلَّا الْأَدِلَّةُ الْخَطَابِيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ وَالْمَقْبُولَةِ الَّتِي أَلِفُوهَا وَحَسِبُوا أَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ وَأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْأَدِلَّةِ الْخَطَابِيَّةِ النَّافِعَةِ مَعَ الْعَامَّةِ لِوُصُولِ عُقُولِهِمْ إلَى إدْرَاكِهَا بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ تَكْمِيلًا لِلْحُجِّيَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ عَلَى مَا يُشِيرُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩] .

وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا عِبَارَةً وَإِشَارَةً الْآيَةُ، أَمَّا الدَّلِيلُ الْخَطَابِيُّ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ فَهُوَ لُزُومُ فَسَادِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لِخُرُوجِهَا عَنْ النِّظَامِ الْمَحْسُوسِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ فَسَادِهِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الِاخْتِلَافِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَطْعًا لِإِمْكَانِ الِاتِّفَاقِ فَلُزُومُ الْفَسَادِ لُزُومٌ عَادِيٌّ.

وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>