للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا (بِالْأَوْلَى كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْل النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» رَتَّبَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ وَهُوَ بِالْخَوْفِ الْمُفَادِ بِلَوْ أَنْسَبُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى مُطْلَقًا أَيْ لَا مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعَ انْتِفَائِهِ إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَعْصِيَهُ.

وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهَذَا الْأَثَرُ أَوْ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ (أَوْ الْمُسَاوَاةُ كَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَةً لَمَا حَلَّتْ لِلرَّضَاعِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُرَّةَ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ - بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنِ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا

ــ

[حاشية العطار]

الشَّارِحُ عَلَى جَعْلِهِ لِانْتِفَاءٍ هُوَ الْمَفْعُولُ جَعَلَ الْمِثَالَ الْآتِيَ مُنْقَلِبًا وَقَالَ النَّاصِرُ الْمَفْعُولُ هُوَ الْمُقَدَّمُ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ غَيْرُ مُنْقَلِبٍ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَأَيْضًا لَا حَاجَةَ إلَى الْمُصَنِّفِ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْمُقَدَّمِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعْلِيقِ.

(قَوْلُهُ: بِالْأَوْلَى) أَيْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ نَقِيضُ الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ لَوْ فَمَعْنَى لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يُهَدِّدْهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي لَمْ يَفْعَلْهَا فَكَيْفَ يَفْعَلُهَا مَعَ تَهْدِيدِ اللَّهِ لَهُ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اُحْتِجْنَا لِذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ خَوْفِ اللَّهِ كُفْرٌ.

(قَوْلُهُ: الْمُفَادُ بِلَوْ) لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى انْتِفَاءِ انْتِفَائِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ.

(قَوْلُهُ: فِي قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْمُرَتِّبِ وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣] الْآيَةَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ قِيَاسًا اقْتِرَانِيًّا وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَإِلَّا لَأَنْتَجَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَتَوَلَّوْا وَهُوَ مُحَالٌ إذْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَمْ يَتَوَلَّوْا بَلْ أَقْبَلُوا فَالْمُرَادُ إنَّ عِلْمَ عَدَمِ الْخَيْرِ سَبَبُ عَدَمِ الِاسْتِمَاعِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ عَلَى طَرِيقَةِ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوَلِّيَ حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِ الْإِسْمَاعِ فَكَيْفَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ.

وَقَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّ الشَّرْطِيَّتَيْنِ مُهْمَلَتَانِ وَكُبْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً لَوْ سُلِّمَ فَلَا يُنْتَجَانِ إلَّا إذَا كَانَتَا لُزُومِيَّتَيْنِ بِأَنَّ لَفَظَّةَ لَوْلَا تُسْتَعْمَلُ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ فِي الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ لِأَنَّهَا لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي كَلَامِ الْحَكِيمِ تَعَالَى أَنَّهُ قِيَاسٌ أُهْمِلَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِنْتَاجِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ تَكُونُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ يَتَرَكَّبُ الْقِيَاسُ إلَّا لِحُصُولِ النَّتِيجَةِ بَلْ الْحَقُّ أَنْ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا} [الأنفال: ٢٣] إلَى آخِرِ مَا نَقَلْنَاهُ (قَوْلُهُ: إجْلَالًا لَهُ) قَالَ النَّجَّارِيُّ أَسْبَابُ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ أَرْبَعَةٌ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ وَالْحَيَاءُ وَالْمَحَبَّةُ.

وَفِي الْحَقِيقَةِ السَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ وَهَذِهِ نَاشِئَةٌ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ مِمَّا أَفَادَنِيهِ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ) هُوَ بَهَاءُ الدِّينِ صَاحِبُ عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ.

(قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْحَافِظِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ وَوَلَدِهِ أَبِي زُرْعَةَ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ إنَّ سَالِمًا شَدِيدُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ لَوْ كَانَ لَا يَخَافُ اللَّهَ مَا عَصَاهُ» لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ابْنُ أَهْيَفَ.

(قَوْلُهُ: إنَّهُ يُرِيدُ) أَيْ بِأَنَّهُ يُرِيدُ وَحَذْفُ الْجَارِّ فِي مِثْلِهِ مُطَّرِدٌ.

(قَوْلُهُ: إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي) اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ سَبَبِ عَدَمِ الْحِلِّ.

(قَوْلُهُ: أَخِي) هُوَ أَبُو سَلَمَةَ.

(قَوْلُهُ: الْمُبَيَّنُ) نَعْتٌ لِعَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً، وَقَوْلُهُ الْمُنَاسِبُ نَعْتٌ لَهُ أَيْضًا يَعْنِي أَنَّ انْتِفَاءَ كَوْنِهَا رَبِيبَةً لَا يَصْلُحُ عَدَمُ تَرَتُّبِ الْحِلِّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ انْتِفَاءً فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ مَا صَدَقَ الِانْتِفَاءُ مَعَهُ مِنْ الْحَلِفِ وَهُوَ كَوْنُهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ.

(قَوْلُهُ: الْمُنَاسِبُ) نَعْتٌ جَارٍ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ وَالتَّقْدِيرُ الْمُنَاسِبُ عَدَمُ الْحِلِّ لَهُ أَيْ لِعَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً.

(قَوْلُهُ: فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا) مُقَدِّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَمَحِلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ الْمُفَادُ.

(قَوْلُهُ: فِي قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْمُرَتَّبِ الْمَأْخُوذِ مِنْ رَتَّبَ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: الْمُفَادُ بِلَوْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>