للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» قِيلَ يَعْنِي بِكَافِرٍ وَخُصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ. (وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ) بِدُونِ كَانَ (وَنَحْوُ كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ) مِمَّا اقْتَرَنَ بَكَانِ فَلَا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَقِيلَ يَعُمُّهَا مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَالثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَعُمُّ الْأَوَّلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَلَا الثَّانِي جَمْعَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إذْ لَا يَشْهَدُ اللَّفْظُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَجَمْعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَرْضًا

ــ

[حاشية العطار]

نَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا قُدِّرَ عَامٌّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِلَا دَلِيلٍ خَصَّصَهُ إنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا عُطِفَتْ عَلَى الْأُخْرَى وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي إضْمَارًا لِتَسْقِيمِ وَكَانَ نَظِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَامًّا هَلْ أَنْ يَجِبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي عُمُومِهِ فَيُضْمَرَ عَامٌّ أَوْ لَا؟ إلَى أَنْ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ التَّرْجَمَةَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ اللَّقَبِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لَا لِمُرَاعَاةِ قُيُودِهَا اهـ.

وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ قَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَسْلَكًا آخَرَ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْ فَإِنَّ بِكَافِرٍ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِيِّ فَهَلْ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ الْأَوَّلِ بِهِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ أَيْ بَلْ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يَقْدَحُ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَكِنْ هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ صُرِّحَ فِي الثَّانِيَةِ بِحَرْبِيٍّ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي التَّصْوِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ هَلْ يُقَدَّرُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا وَمِمَّا يُضْعِفُ قَوْلَهُمْ أَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ مُهْدَرًا مِنْ الْمَعْلُومِ بِالدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ فَحَمْلُ الْكَافِرِ فِي «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» عَلَيْهِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.

قَوْلُهُ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قِيلَ إنَّ فِي الْحَدِيثِ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ ذِي الْعَهْدِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ غِيلَةً أَوْ لَا وَعَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ غِيلَةً نَظَرًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] إلَّا أَنْ يُجِيبَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ آحَادٍ فَلَا يُخَصِّصُ الْقَطْعِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ) فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْكَلَامَ بِجُمْلَةٍ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي بِكَافِرٍ) أَيْ الْمُقَدَّرُ لَفْظَةُ بِكَافِرٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٢٨٥] .

(قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ وَيُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ قَالُوا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ وَلَا لِيَتَسَاوَيَا فَيَصِيرَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ. (قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَقْدِيرِهِ عَامًّا ثُمَّ يُخَصُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحَرْبِيِّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ) فَفِيهِ كِفَايَةٌ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِهِ عَامًّا فَإِنَّ السَّابِقَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيهِ حَذْفٌ مَعَ تَخْصِيصٍ وَهَذَا حَذْفٌ فَقَطْ وَقَدْ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى مُدَّعَاهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُمْ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ بِحَرْبِيٍّ خَرَجَ عَنْ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ أَوْ يَقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ الْمُوَافِقُ لَهَا أَنْ يُقَالَ مَثَلًا أَهَنْت الْكَافِرَ وَفَاسِقًا فَهَلْ فَاسِقًا عَامٌّ كَالْكُفْرِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .

(قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ كَالنَّكِرَةِ وَهِيَ لَا تَعُمُّ عُمُومًا شُمُولِيًّا فِي الْإِثْبَاتِ.

(قَوْلُهُ: بِدُونِ كَانَ) أَتَى بِهِ لِأَجْلِ عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِعُمُومِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا كَانَ مَعَ كَانَ لِلْعُمُومِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يَكُونُ لِلتَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَعُمُّ) ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ فَعَلَ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ مَعْهُودٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>