وَنَفْلًا وَالْجَمْعُ الْوَاحِدُ فِي الْوَقْتَيْنِ وَقِيلَ يَعُمَّانِ مَا ذُكِرَ حُكْمًا لِصِدْقِهِمَا بِكُلٍّ مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ وَالْجَمْعِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِلتَّكْرَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: ٥٥] وَقَوْلُهُمْ كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ (وَلَا الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ) فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ كُلَّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ (لَفْظًا لَكِنْ) يَعُمُّهُ (قِيَاسًا) وَقِيلَ يَعُمُّهُ لَفْظًا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا فَلَا يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ لَفْظًا وَقِيلَ يَعُمُّهُ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَّمَتْ الْمُسْكِرَ (خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) أَيْ الْعُمُومِ فِي الْمُقْتَضِي وَمَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ) فِي حِكَايَةِ الْحَالِ (يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ) فِي الْمَقَالِ كَمَا فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَزَوَّجَهُنَّ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا
ــ
[حاشية العطار]
خَاصٍّ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعُمُومِ.
(قَوْلُهُ: فَرْضًا وَنَفْلًا) وَلَا يَرِدُ حُصُولُ التَّحِيَّةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتَيْنِ) أَيْ وَقْتِ التَّقْدِيمِ وَوَقْتِ التَّأْخِيرِ فَالْعُمُومُ بَدَلِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ حُكْمًا إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي اللَّفْظِ أَيْ أَحَدُهُمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْآخَرُ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ لَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدُ لِصِدْقِهِمَا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ) أَيْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَاضِي فَلَا تَدُلُّ مَعَهُ عَلَى تَكْرَارٍ وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ قَلِيلٌ لُغَةً وَقَوْلُهُ آخِرًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ يُنَبِّهُ عَلَى كَثْرَتِهِ عُرْفًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لُغَةً مِنْ الْمُضَارِعِ لَا لِلتَّكْرَارِ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ فَتُذْبَحُ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ» ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ مُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (قَوْلُهُ: لِلتَّكْرَارِ) فِيهِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُضَارِعِ لَا مِنْ كَانَ وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهَا لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَقَعَ فِيمَا مَضَى وَالتَّكْرَارُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْعُمُومُ هُنَا مِنْ قَرِينَةٍ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهِيَ تُفِيدُهُ مَرَّةً فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ: جَرَى الْعُرْفُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ اللُّغَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ وَيُحْتَمَلُ عُرْفُ غَيْرِ اللُّغَةِ قِيلَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ إنْ كَانَ هَلْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ تَقْتَضِيهِ لُغَةً وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الرَّاوِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ كَذَا يُفِيدُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ كَثِيرًا تَكْثِيرَ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرَهُ قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} [مريم: ٥٥] الْآيَةَ أَيْ يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكْرَارِ الْعُمُومُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقِيلَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عُرْفًا لَا لُغَةً قَالَ الْهِنْدِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يُفِيدُهُ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَجَعْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَانِعَ لِلْعُمُومِ يَنْفِي عُمُومَ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُثْبِتَ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ وَهُوَ إجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا اهـ.
وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ فَالْقَائِلُ بِالْعُمُومِ يُعَمِّمُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى مَجِيءِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَفْظًا لَكِنْ قِيَاسًا) كِلَاهُمَا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَعْمِيمَ لَفْظِ الْمُعَلَّقِ لَكِنْ تَعْمِيمَ قِيَاسِهِ أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُنَافِي تَسْمِيَتَهُ عَقْلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَقْلًا كَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ عُمُومَهُ وَضْعِيٌّ أَوْ قِيَاسِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِذِكْرِ الْعِلَّةِ) فَدَلَّ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي حَقِيقَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ