للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ لِامْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ فِي التَّرْتِيبِ

ــ

[حاشية العطار]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَلَهُ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَظَاهِرُ الْعِبَارَتَيْنِ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَعُمُّ الِاحْتِمَالَاتِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُمُّهَا بَلْ هِيَ مِنْ الْمُجْمَلِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عُمُومٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْقَرَافِيُّ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا ضَعُفَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا قَوِيَ وَبِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي دَلِيلِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا حَاصِلَ لِهَذَا الْجَمْعِ وَأَلْحَقَ حَمْلُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ قَوْلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَالُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا عُمُومَ لَهُ فَمِنْ الْأَوَّلِ وَقَائِعُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ وَقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ الثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا صُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَصَلَّى الثَّانِيَةَ عَقِبَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَافِيًا وَلَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ تَرْكٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَمِثْلُهُ إضَافَةُ الْحَالِ أَيْ تَرْكُ الشَّارِعِ طَلَبَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الشَّخْصِ الْحَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِي صَاحِبَ الْحَالِ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْحِكَايَةُ الذِّكْرُ وَاللَّفْظُ كَقَوْلِ غَيْلَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَسْلَمْت عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مُسْتَفْتِيًا فَلَفْظُهُ حَكَى بِهِ وَفِي حِكَايَةٍ مُتَعَلِّقٍ بِتَرْكٍ وَالْمَقَالُ الْقَوْلُ وَالتَّلَفُّظُ وَقَوْلُهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ إلَخْ الْعَامُّ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ أَمْسِكْ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ وَأَنَّ الْجَوَابَ مَعَ تَرْكٍ إلَخْ وَفِي قَوْلِهِ يَنْزِلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمُصْطَلَحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّهِ السَّابِقِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ) وَهُوَ إمْسَاكُ أَرْبَعٍ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ يَعُمُّ أَيْ عُمُومًا بَدَلِيًّا أَيْ أَمْسِكْ أَيَّ أَرْبَعٍ كَانَتْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اسْتِغْرَاقِيًّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَرْبَعٍ صَالِحَةٌ لِلِاخْتِيَارِ وَلَكِنَّ الَّذِي يُمْسَكُ أَرْبَعٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ) الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ.

(قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْكَلَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ لِلْكَلَامِ.

(قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ إلَخْ) تَأْوِيلُهُمْ لَا يُنَافِي هَذَا الْعُمُومَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلُوا الْإِمْسَاكَ بِالِابْتِدَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ لَا فِي التَّرْتِيبِ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ اسْتَحْسَنَ مَقَالَةَ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ تَأْوِيلُ الْإِمْسَاكِ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ سَرَفٌ وَمُجَاوَزَةُ حَدٍّ وَقِلَّةُ احْتِفَالٍ بِكَلَامِ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ لَفْظَ الْإِمْسَاكِ أَوَّلًا مُوجِبُهُ الِاسْتِدَامَةُ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ.

وَالثَّانِي أَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يَنْقُلُوا تَجْدِيدَ الْعُقُودِ بَلْ رَوَوْا الْحِكَايَةَ رِوَايَةَ مَنْ يَسْتَرِيبُ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا فِي عَدَدِ الْإِسْلَامِ عَلَى مُنَاكَحَتِهِمْ فِيهِنَّ وَكَانَ الْمُخَاطَبُونَ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخَاطِبُهُمْ إلَّا بِمَا يَقْرُبُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِالْإِمْسَاكِ بَعِيدٌ جِدًّا نَاءٍ عَنْ الْمَحَامِلِ الظَّاهِرَةِ وَفِي الْقَصَصِ أَنَّهُمْ جَاءُوا سَائِلِينَ عَنْ الْفِرَاقِ أَوْ الْإِمْسَاكِ فَانْطَبَقَ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُؤَالِهِمْ وَأَمَّا أَمْرُ التَّرْتِيبِ فَيَدْفَعُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَسْلَمَ عَنْ أُخْتَيْنِ أَمْسِكْ أَيَّهُمَا شِئْت وَفَارِقْ

<<  <  ج: ص:  >  >>