(وَلَوْ) كَانَ (صَحَابِيًّا) وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ صَحَابِيًّا وَقِيلَ إنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ الرَّاوِي لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ يُخَصِّصُهُ أَيْضًا أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَحَلَّ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ دَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَعَ قَوْلِهِ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ كَمَا هُوَ قَوْلٌ تَقَدَّمَ.
(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ) بِحُكْمِ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ، وَقِيلَ: يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَفْهُومِهِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ قُلْنَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَعْضِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَعَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ صَحَابِيًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالْعَامُّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ صَحَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ مَذْهَبَ إلَخْ) خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الرَّاوِي (قَوْلُهُ: يُخَصِّصُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُخَصِّصُهُ مَذْهَبُ الرَّاوِي، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مَا عَدَا إلَخْ) وَهِيَ الْأَفْرَادُ الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلُ الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَيْ وَإِذَا صَدَرَتْ عَنْ دَلِيلٍ جَازَ أَنْ تَكُونَ مُخَصِّصَةً (قَوْلُهُ: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ أَيْ هُوَ دَلِيلٌ فِي ظَنِّهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ أَخَصُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاوِي الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ) عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ) وَإِلَّا فَقَدْ طَعَنَ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ بِالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُرْتَدَّةِ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ لِعُمُومِ مَرْوِيِّهِ اهـ ز
(قَوْلُهُ: أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ إلَخْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمِثَالُ لَا يُخَصِّصُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَخُصُّ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمَتْنِ وَشَرَحَ عَلَيْهَا الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ بِأَخُصُّ مِنْ حُكْمِ الْعُمُومِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ لِذَلِكَ الْفَرْدِ جَمِيعَ الْحُكْمِ الْعَامِّ، أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ حَدِيثِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِذِكْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الْعَامِّ) وَأَمَّا بِغَيْرِ حُكْمِهِ فَيُخَصِّصُهُ مِنْ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: لَا يُخَصِّصُ) خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدَّرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى، وَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُطِفَ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ نَحْوُ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] هَلْ يَدُلُّ الْعَطْفُ عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَدْخُلُ، وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ، وَكَأَنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: إلَّا ذَلِكَ) أَيْ التَّخْصِيصُ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) أَيْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِهِ فَيُخَصِّصُ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ لَقَبًا فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا بِمَفْهُومِهِ، وَبِهِ قَالَ الْعَضُدُ وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَنْطُوقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ) أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ: إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَيْتَةٍ) بِالتَّشْدِيدِ، وَالتَّخْفِيفُ فِي الْمَيِّتِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا مَا سَيَمُوتُ فَبِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرُ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] قَوْلُهُ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا» لَا يَتَأَتَّى دَعْوَى التَّخْصِيصِ إلَّا إذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا مَيْتَةٌ؛ إذْ لَوْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ لَمْ يَقْوَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ الْحُكْمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيُّمَا إهَابٍ إلَخْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ تَأْخِيرُ الْمُخَصَّصِ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ تَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute