وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَيْ مِمَّا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: مِمَّا ذُكِرَ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (قَرِينَةُ التَّعْمِيمِ فَأَجْدَرُ) أَيْ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ مِمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَسَبَبُ نُزُولِهِ عَلَى مَا قِيلَ رَجُلٌ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ فَذَكَرَ السَّارِقَةَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّارِقِ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَطْ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] نَزَلَ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أَخَذَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَهْرًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَخَرَجَ فَسَأَلَهُ الْعَبَّاسُ الْمِفْتَاحَ لِيَضُمَّ السِّدَانَةَ إلَى السِّقَايَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَرَدَّهُ عَلَى عُثْمَانَ بِلُطْفٍ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ فَتَعَجَّبَ عُثْمَانُ مِنْ ذَلِكَ فَقَرَأَ لَهُ عَلِيٌّ الْآيَةَ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ فَذِكْرُ الْأَمَانَاتِ بِالْجَمْعِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ.
(وَصُورَةُ السَّبَبِ) الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَامُّ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَالنَّتْنُ) فِي الْقَامُوسِ النَّتْنُ ضِدُّ الْفَوْحِ نَتُنَ كَكَرُمَ وَضَرَبَ نَتَانَةً وَأَنْتَنَ فَهُوَ مُنْتِنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: شَيْءٌ) هَذَا هُوَ الْعَامُّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَضِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ التَّنَجُّسِ بِهِ ثَابِتًا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: أَيْ وُجِدَتْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ أَيْ أَوْلَى إلَخْ وَهَلْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، أَوْ يُقْطَعُ بِالتَّعْمِيمِ لِلْقَرِينَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ تَعْمِيمِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِزِيَادَةِ لَوْ وَيَرِدُ عَلَيْهَا أَنَّ لَوْ لِلنَّفْيِ، وَلَمْ لِلنَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مَوْجُودَةً، وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَنُسْخَةُ حَذْفِهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ: عَلَى مَا قِيلَ) عَبَّرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْبَيْهَقِيّ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ مِنْهَا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ صَفْوَانَ وَرَجَّحَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اهـ. ز.
وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنِ بَيْرَقٍ وَسَارِقِ الدِّرْعِ الْمَذْكُورِ وَقِصَّتُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي آيَةِ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} [النساء: ١٠٨] (قَوْلُهُ: قَهْرًا) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ دَفْعِ الْمِفْتَاحِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْلًا، وَقَالَ: لَمْ تُفْتَحْ الْكَعْبَةُ لَيْلًا أَبَدًا فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُسَمِّيهِ اللَّهُ أَمَانَةً مَعَ أَخْذِهِ قَهْرًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَصْبًا إلَّا إذَا كَانَ الْآخِذُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَالْآخِذُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُسْتَحِقٌّ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: السِّدَانَةَ) أَيْ خِدْمَةَ الْبَيْتِ وَالسِّقَايَةَ أَيْ سِقَايَةَ زَمْزَمَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَعَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَأَظْهَرَ إسْلَامَهُ؛ إذْ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْمُزَنِيُّ وَالذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: فَذَكَرَ الْأَمَانَاتِ بِالْجَمْعِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ قَرِينَةُ التَّعْمِيمِ أَمْ لَا نَعَمْ لَوْ وُجِدَتْ قَرِينَةُ الْخُصُوصِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ كَالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَإِنَّ سَبَبَهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى امْرَأَةً حَرْبِيَّةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ مَقْتُولَةً» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحَرْبِيَّاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُرْتَدَّةَ، وَإِنَّمَا قُتِلَتْ لِخَبَرِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: وَصُورَةُ السَّبَبِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute