تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) تَوَاتُرًا كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ (خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ وَقَدْ قَالُوا بِصِدْقِ مَا رَوَاهُ مِنْهُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُ " أَنْتَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي " مُشَبِّهِينَ لَهُ بِمَا يَتَوَاتَرُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ كَحَنِينِ الْجِذْعِ وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَى قُلْنَا هَذِهِ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً وَاسْتَغْنَى عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَى الْآنِ بِتَوَاتُرِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا يُذْكَرُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَوْ كَانَ مَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ أَيْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَهِيَ صُفَّةٌ مُظَلَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ لَهُمْ، ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(وَإِمَّا) مَقْطُوعٌ (بِصِدْقِهِ كَخَبَرِ الصَّادِقِ) أَيْ اللَّهِ - تَعَالَى - لِتَنَزُّهِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ عَنْ الْكَذِبِ (وَبَعْضِ الْمَنْسُوبِ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ (وَالْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا وَهُوَ خَبَرُ جَمْعٍ يَمْتَنِعُ) عَادَةً (تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مَحْسُوسٍ) لَا مَعْقُولٍ
ــ
[حاشية العطار]
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَوَاتَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا شَاكِي السِّلَاحِ مُتَهَيِّئًا لِأَسْبَابِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَرَيَانِ أَمَانٍ لَهُمْ مَعَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يَبْعُدُ انْفِرَادُ الْآحَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَجُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَحْرَمَ عَلَى مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا.
وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالْأَفْرَادِ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِبْهَامُهُ، وَكَذَلِكَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَمْ يَتَوَاتَرْ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي بِأَنَّهَا آيَةٌ ظَهَرَتْ لَيْلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَشْخَاصٌ مَعْدُودَةٌ فِي وَقْتِ اسْتِرْسَالِ ثَوْبِ الْغَفْلَةِ عَلَى النَّاسِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: يَصْنَعُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: ١] قُلْتُ أَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ الْمَاضِيَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] وَأَنَّهُ سَيَنْشَقُّ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ ذِكْرُهُ مُقْتَرِنًا بِاقْتِرَانِ السَّاعَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا إفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتُهَا فَإِنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُقِيمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَى انْتِقَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى دَارِ الْبَقَاءِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّقَلَةُ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ تَوَاتُرًا.
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يُثْنِي مَرَّةً وَيُفْرِدُ أُخْرَى وَلَمْ يَشِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هَوَّنَتْ أَمْرَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِالْإِشَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَعًا فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْعَزَائِمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ) أَيْ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِ الْخَطِيبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: حَدِيثٌ) لَا يُعْرَفُ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْبَيْضَاوِيِّ: لَا أَصْلَ لَهُ هَكَذَا وَفِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ» الْحَدِيثَ اهـ.
خَالِدٌ (قَوْلُهُ: مَا رَوَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآحَادِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَهَذَا عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ مَرْوِيٌّ آحَادًا (قَوْلُهُ: وَاسْتُغْنِيَ عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَخْ) أَيْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْقِرَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا يَذْكُرُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ) وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَايَعَةُ، وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ غَيْرَ مُنْعَقِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَزِمَهُ جَهَلَةُ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ فَقَدْ نَصَّهُ الرَّوَافِضُ مِنْ حَيْثُ كَمَّلُوهُ.
(قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ سَمِعَهُ وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خَبَرَ كُلِّ الْأُمَّةِ أَيْ الْإِجْمَاعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَطْعِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَإِنْ قُطِعَ بِهِ لِعَارِضٍ تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ لَفْظًا، وَيَلْزَمُ مِنْ تَوَاتُرِهِ لَفْظًا تَوَاتُرُهُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (قَوْلُهُ: تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ) أَيْ تَوَافُقُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِخَبَرٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ لَا تَوَافُقُهُمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَنَا يُخْبِرُ بِخَبَرِ كَذَا (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُسْتَنِدًا لِلْحِسِّ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ