الْجَمْعِ فِي الْمُتَوَاتِرِ (مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ) بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي فِي الْخَمْسَةِ) هَلْ تَكْفِي (وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ أَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ عَدَدِ الْجَمْعِ الَّذِي يُفِيدُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ (عَشَرَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ (وَقِيلَ) أَقَلُّهُ (اثْنَا عَشَرَ) كَعَدَدِ النُّقَبَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: ١٢] بُعِثُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ لِلْكَنْعَانِيَّيْنِ بِالشَّامِ طَلِيعَةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ الْمَأْمُورِينَ بِجِهَادِهِمْ لِيُخْبِرُوهُمْ بِحَالِهِمْ الَّذِي لَا يُرْهَبُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ: أَقَلُّهُ (عِشْرُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] فَيَتَوَقَّفُ بَعْثُ عِشْرِينَ لِمِائَتَيْنِ عَلَى إخْبَارِهِمْ بِصَبْرِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
(وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (أَرْبَعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ٦٤] وَكَانُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا كَمَّلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَافُّوا نَبِيِّهِ يَسْتَدْعِي إخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لَهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) وَقِيلَ: أَقَلُّهُ (سَبْعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: ١٥٥] أَيْ لِلِاعْتِذَارِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ
ــ
[حاشية العطار]
التَّوَاتُرِ اُحْتِيجَ إلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ الْعِلْمُ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ لِأَجْلِ حُصُولِ الْعِلْمِ بَلْ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كِفَايَةِ الْأَرْبَعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم.
وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يُفِيدُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَقَلِّ الْعَدَدِ الْكَافِي فِي التَّوَاتُرِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْآحَادِ الْمُفِيدُ لِلصِّدْقِ بِقَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ) إنْ أَرَادَ آحَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْطُ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ، وَإِنْ أَرَادَ فِي هَذَا الْفَنَّ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ، وَقَالَ بَعْضٌ: لِأَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَهُوَ وَاهٍ؛ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ خُرُوجِ الْعَدَدِ عَنْ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَبَيْنَ إفَادَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: طَلِيعَةً) أَيْ لِيَتَطَلَّعُوا عَلَى إخْبَارِهِمْ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ وَاوِ بُعِثُوا وَقَوْلُهُ: لَا يُرْهِبُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَرْهَبَ بِمَعْنَى أَخَافَ يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَهُمْ أَمَرَهُمْ بِكَتْمِ مَا يُرْهِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ عَنْ الْقَوْمِ بِخِلَافِ مَا لَا يُرْهِبُ فَلَمَّا رَجَعُوا أَفْشَى السِّرَّ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَاثْنَانِ كَتَمَا السِّرَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [المائدة: ٢٣] الْآيَةُ (قَوْلُهُ: بَعَثَ عِشْرِينَ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: عَلَى إخْبَارِهِمْ) أَيْ إخْبَارِ الْعِشْرِينَ الْمَبْعُوثِينَ لَهُمْ أَنَّ فِيهِمْ قُدْرَةً عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، أَوْ إخْبَارِ الْبَاعِثِ لَهُمْ لِئَلَّا يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، لَا إخْبَارِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقُدْرَةُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَاتُرِ لِيُفِيدَ الصِّدْقَ، وَفِيهِ أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّ الصَّبْرَ لَيْسَ مِنْ الْمَحْسُوسِ، وَفَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ مَحْسُوسٍ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْسُوسِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْسُوسَ بِالْوِجْدَانِيَّاتِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَوَقُّفٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَحْسُوسُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ
(قَوْلُهُ: وَكَانُوا كَمَا قَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ فَتَمَّ بِهِ الْأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى تَغْلِيبُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْعُمَرَيْنِ» (قَوْلُهُ: كَافُّوا) مِنْ الْكِفَايَةِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا إنْ جُعِلَ عَطْفًا عَلَى الْكَافِ فِي " حَسْبُكَ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُ (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي إلَخْ) مَمْنُوعٌ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ إخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: سَبْعِينَ رَجُلًا) أَيْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ فَقَوْلُهُ: لِلِاعْتِذَارِ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ مِنْ عِبَادَةِ أَصْحَابِهِمْ الْعِجْلَ (قَوْلُهُ: أَيْ لِلِاعْتِذَارِ) فَالْمُرَادُ بِالْمِيقَاتِ الشَّيْءُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ الِاعْتِذَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute