للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِيُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَهُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ) عَدَدُ أَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ، وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَزَادَ أَهْلُ السِّيَرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّ ثَمَانِيَةً مِنْ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَإِنَّمَا ضُرِبَ لَهُمْ سَهْمُهُمْ وَأَجْرُهُمْ فَكَانُوا كَمَنْ حَضَرَهَا وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» وَهَذَا لِاقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ احْتِرَامِهِمْ يَسْتَدْعِي التَّنْقِيبَ عَنْهُمْ لِيُعْرَفُوا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ بِأَخْبَارِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ،

وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (إسْلَامٌ) فِي رِوَايَةٍ (وَلَا عَدَمُ احْتِوَاءِ بَلَدٍ) عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا، وَأَنْ تَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ كَأَنْ يُخْبِرَ أَهْلُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ بِقَتْلِ مَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجِوَارِ تَوَاطُؤِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ بَلَدٍ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعِلْمَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَحْصُلُ عِنْدَ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَظَرٍ لِحُصُولِهِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ (وَقَالَ الْكَعْبِيُّ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (نَظَرِيٌّ وَفَسَّرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) أَيْ فَسَّرَ كَوْنَهُ نَظَرِيًّا

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ) فِيهِ أَنَّ السَّامِعَ مِنْ اللَّهِ سَيِّدُنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ الْمَلَكِ لَا مِنْ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ إذْ الْبِضْعُ صَادِقٌ بِمَا زِيدَ (قَوْلُهُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) لَيْسَ الْمُرَادُ إبَاحَةَ الْمَعَاصِي لَهُمْ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ مِنْهُمْ تَكُونُ مَغْفُورَةً (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ إخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ) أَيْ قَوْلِهِ لَيْسَ إلَّا كَذَا (قَوْلُهُ: فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَا وَقَعَ فِي تَوَجُّهِهِ لَيْسَ إلَّا لَا جَمِيعُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ أَوْ الْمُرَادُ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) قَدَّرَ لَفْظَةَ أَنَّهُ لِأَجْلِ تَأْوِيلٍ لَا يُشْتَرَطُ بِمُفْرَدٍ فَلَا تَحْتَاجُ الْجُمْلَةُ إلَى رَابِطٍ (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامٌ) فَأَوْلَى الْعَدَالَةُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ كَمَا نَقَلَهُ سم كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِهِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ قَالَ: وَلَوْ كُفَّارًا أَوْ صِبْيَانًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: كَانَ يُخْبِرُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْعُلَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ قَبْلَ فَتْحِهَا وَقَدْ فَتَحَهَا السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ، وَوَافَقَ تَارِيخَ فَتْحِهَا بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقَدْ ذَهَبْتُ إلَيْهَا مَرَّتَيْنِ مَعَ الْإِقَامَةِ، وَرَأَيْت بِهَا مِنْ الْمَحَاسِنِ وَرَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ، وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْكُتُبِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ فَهِيَ الْحَرِيَّةُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ:

رَأَيْت بِهَا مَا يَمْلَأُ الْعَيْنَ قُرَّةً ... وَيُسْلِي عَنْ الْأَوْطَانِ كُلَّ غَرِيبِ

وَفِي وَقْتِ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ اخْتَلَّتْ أَحْوَالُهَا بِسَبَبِ قِيَامِ الْحَرْبِ بَيْنَ سُلْطَانِنَا السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ نَصَرَهُ اللَّهُ وَبَيْنَ قرال الْمُوَسَّقِ خَذَلَهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَرْبٌ عَظِيمٌ، وَإِلَى الْآن هُوَ قَائِمٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ حِزْبَ الْإِسْلَامِ وَيُدَمِّرَ الْكَفَرَةَ اللِّئَامَ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ وَالْخُطُوبِ الْمُزْعِجَةِ الْمُشَوِّشَةِ لِلْأَفْكَارِ وَقَعَ مِنَّا فُتُورُ هِمَّةٍ بَعْدَ إتْمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْوَقْتِ لَنَا عَمَّا كُنَّا أَرَدْنَاهُ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى النَّسَقِ الْأَوَّلِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَاللُّطْفَ وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ:

أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ ... فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ

(قَوْلُهُ: لِجَوَازِ تَوَاطُؤِ إلَخْ) أَيْ جَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَالْبُلْهِ) جَمْعُ أَبْلَهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>