للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ قَالَ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَوَّلًا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَثَانِيًا يُؤْخَذُ مِنْهَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ الْأَكْثَرُ) فِيهِ (بِخِلَافِهِ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِخِلَافِهِ حُجَّةٍ مُقَدَّمَةٍ عَلَيْهِ كَعَمَلِ الْكُلِّ، قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ

(وَ) قَالَتْ (الْمَالِكِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) فِيهِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ كَقَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ الثَّابِتَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ كَحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» صَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِالْآحَادِ فِيهِ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَنَسٍ حَيْثُ كَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» الْحَدِيثَ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ:، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ) قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: يَلْزَمُ الْإِجْحَافُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ إذًا يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ هَلْ تُؤْخَذُ الصِّغَارُ عَنْ الْكِبَارِ فَقَالَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ إخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا إلَخْ) وَلِأَنَّ خَبَرَ الْآحَادِ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ فَمَا ذَكَرَهُ زَائِدٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ نَفْيِ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

(قَوْلُهُ: عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ) كَبِنْتِ الْمَخَاضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَجْرِي فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الشَّاةُ اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَوَّلًا إلَخْ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَوَّلَهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَوْلَادِ وَيَجِبُ تَحْصِيلُ السِّنِّ الْوَاجِبِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا وَثَانِيهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ الْمُخْرَجُ عَنْهَا مِنْهَا وَثَالِثُهَا، وَهُوَ آخِرُهَا نَفْيُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا أَيْ فِي فِعْلٍ عَمِلَ الْأَكْثَرُ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِخِلَافِهِ أَيْ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: كَعَمَلِ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ) فَإِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ (قَوْلُهُ: بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَدُوا بِالصَّحَابَةِ بَلْ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نَحْوِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِهَا كَذَلِكَ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ) هُوَ مَنْعٌ وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ الدَّلِيلُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُلَازَمَتِهِمْ لَهُ لِآخِرِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اتِّبَاعًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ النَّاسُ الدِّينَ عَنْهُمْ فَلَا يُخَالِفُوا الْخَبَرَ إلَّا لِأَمْرٍ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِخِلَافِهِ مِنْ تَأْوِيلٍ أَوْ نَسْخٍ (قَوْلُهُ: لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ) إمَّا لِنَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ

(قَوْلُهُ: فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) مَا وَاقِعُهُ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافَانِ مَحْذُوفَانِ أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ أَيْ حُكْمُ خَبَرٍ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِمَضْمُونِهِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى تَعُمُّ بِنَفْسِ الْخَبَرِ فَالْمَضْمُونُ مَسُّ الذَّكَرِ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُتَعَلَّقِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَاتُرِ مَا يَعُمُّ الْمُشْتَهِرَ، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى مَا نَقْلِهِ وَلَيْسَ مُتَوَاتِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>