للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ، وَلَا الْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَرَدُّ التَّمْرِ بَدَلَ اللَّبَنِ، مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ التَّالِفُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَتُصَرُّوا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مِنْ صَرَّى، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ مِنْ صَرَّ

(وَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ (الْجُبَّائِيُّ: لَا بُدَّ) فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ اثْنَيْنِ) يَرْوِيَانِهِ (أَوْ اعْتِضَادٍ) لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ وَاحِدًا كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ يَنْتَشِرَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ، وَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَوَافَقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ، وَقَالَ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَوَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَقُومُ مَقَامَ التَّعَدُّدِ الِاعْتِضَادُ، قُلْنَا: طَلَبُ التَّعَدُّدِ لَيْسَ لِعَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ بَلْ لِلتَّثَبُّتِ كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي خَبَرِ الِاسْتِئْذَانِ: إنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَ) قَالَ (عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا) فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ مَا دُونَهَا فِيهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَحُكِيَ هَذَا فِي الْمَحْصُولِ عَنْ حِكَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَسَقَطَ مِنْهُ هُنَا لَفْظَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ إمَّا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ نَقْلِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ حِكَايَةُ قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ فِي خَبَرِ الزِّنَا.

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: لَا تُصَرُّوا) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ وَالْوَاوُ فَاعِلٌ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ تُصَرُّوا انْتَقَلَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْفِعْلُ الْمَاضِي عَلَى هَذَا صَرَّى وَأَصْلُهُ صَرَّرَ بِثَلَاثِ رَاءَاتٍ قُلِبَتْ الرَّاءُ الْأَخِيرَةُ يَاءً لِكَثْرَةِ الْأَمْثَالِ فَصَارَ صَرَّى فَتَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ صَرَّى وَقَلْبُ الرَّاءِ يَاءً مَعْهُودٌ كَمَا قَالُوهُ فِي قِيرَاطٍ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ قِرَاطٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهِ عَلَى قَرَارِيطَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ الْيَاءُ أَصْلِيَّةً فِي قِيرَاطٍ لَقِيلَ: فِي الْجَمْعِ قَيَارِيطُ لَا قَرَارِيطُ وَبِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى قُرَيْرِيطٍ، وَإِلَّا لَقِيلَ: قُيَيْرِيطٌ

(قَوْلُهُ: فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ) وَأَيْضًا الضَّمَانُ هُنَا قُدِّرَ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّاعُ مُطْلَقًا فَخَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي اخْتِلَافِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَلِأَنَّ اللَّبَنَ التَّالِفَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْمَبِيعِ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ التَّالِفُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُنِعَ الرَّدُّ وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ التَّمْرَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مُتْلَفٍ لِوُجُوبِهِ مَعَ قِيَامِ أَيْ وُجُودِ عَيْنِ اللَّبَنِ فَالْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ اهـ.

وَأَجَابَ عَنْهُ سم بِأَنَّ الَّذِي قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالشَّارِحُ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ إذَا تَلِفَ اللَّبَنُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتْلَفْ إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِرَدِّ اللَّبَنِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يَحْلُبُهُ كَالتَّالِفِ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ بِالْحَلْبِ فَهُوَ تَالِفٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ تَلَفَ الصِّفَةِ كَتَلَفِ الذَّاتِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا، وَحُكْمُ التَّالِفِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَإِيجَابُ التَّمْرِ فِي الْحَالَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُطَابِقٌ لِلْمُدَّعَى (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ فِي الضَّبْطِ بِوَزْنِ تُرَدُّوا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ) أَيْ غَيْرَ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى رَاوِي حَدِيثَ الِاسْتِئْذَانِ رَجَعَ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ عُمَرُ فَرُوِيَ لَهُ الْحَدِيثُ فَطُلِبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ اهـ. نَاصِرٌ

(قَوْلُهُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ) أَيْ تَمَامَ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: طَلَبُ التَّعَدُّدِ) أَيْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ لِلتَّثَبُّتِ) فَقَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى مَمْنُوعٌ فَإِنَّ طَلَبَ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّثَبُّتِ وَتَقْوِيَةِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ: فِي الزِّنَا) أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَةِ) فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ (قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحِكَايَةِ وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحِكَايَةَ نَقْلٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ أَيْ مَا فِي الْمَحْصُولِ إمَّا تَقْيِيدٌ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بِغَيْرِ الزِّنَا أَمَّا الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثَّانِي لَا يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بَلْ يَقُولُ حُكِيَ عَنْهُ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>