(وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ إنْ صَارَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ) مِنْ قَرِينَةٍ شَاهَدَهَا، قُلْنَا: عِلْمُهُ ذَلِكَ أَيْ ظَنُّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا عَمِلَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ لَا يُقْبَلُ) فِي الرِّوَايَةِ (مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ، وَسَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَمْ تَقَطَّعَ، وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ (وَكَافِرٌ) ، وَلَوْ عُلِمَ مِنْهُ التَّدَيُّنُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ شَرَفِ مَنْصِبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكَافِرِ (وَكَذَا صَبِيٌّ) مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَدْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يُوثَقُ بِهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْيِيزِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَالْمَجْنُونِ.
(فَإِنْ تَحَمَّلَ) الصَّبِيُّ (فَبَلَغَ فَأَدَّى) مَا تَحَمَّلَهُ (قُبِلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِانْتِفَاءِ
ــ
[حاشية العطار]
بِالْحُجَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَا خَالَفَ فِيهِ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ، وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ إنَّ مَقَامَ الشَّافِعِيِّ يَنْبُو عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى حَجَجْتُهُ تَجَادَلْت مَعَهُ لِأَغْلِبَ بِالْحُجَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ صَارَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ إلَيْهِ أَيْ التَّأْوِيلِ بِأَنْ اتَّخَذَهُ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي مُجَرَّدِ جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْ تَقْرِيرِ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ إلَّا لِمَزِيدِ قُوَّتِهِ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ قَرِينَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمٍ (قَوْلُهُ: أَيْ ظَنَّهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى بَابِهِ لَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا أَوْ نَصًّا عُمِلَ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ لَكِنَّهُ زَمَنُ إفَاقَتِهِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي الزَّمَنِ أَثَّرَ فِيهِ جُنُونُهُ لِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ لِجُنُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ بَلْ يَضُرُّ اهـ. زَكَرِيَّا.
قَالَ سم لَمَّا كَانَ الْخَلَلُ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ نَاشِئًا مِنْ الْجُنُونِ كَانَ حُكْمُ الْمَجْنُونِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ فَصَحَّ ذِكْرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَنَاسَبَ ذَلِكَ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يَضُرُّ فَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُوهِمُ قَبُولَ الْمَجْنُونِ إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ حِينَئِذٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَلْيُصَوَّرْ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ اهـ.
ثُمَّ إنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ أَثَّرَ حَالِيَّةٌ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ خَبَلًا، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ وَأَمَّا ضَبْطُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالْمَدِّ بِمَعْنَى رَوَى وَنَقَلَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ مَا تَحَمَّلَهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَبَعِيدٌ عَنْ الْمُرَادِ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَكَافِرٌ) مُرَادُهُ بِهِ مَنْ لَا يَنْتَمِي إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْمُجَاهِرُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ مَنْ قَالَ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْكَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ) عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ مُغَايِرٍ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُفْعَلُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) زَادَهُ لِشُمُولِ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّدَيُّنَ وَالتَّحَرُّزَ يُوجِبُ الْقَبُولَ وَلِذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَعَ شَرَفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ الْكَافِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِشَرَفٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا صَبِيٌّ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَبِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُهُ مُمَيِّزٌ أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ: فَبَلَغَ فَأَدَّى) الْفَاءُ فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ لِلتَّرْتِيبِ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ التَّعْقِيبِ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّعْقِيبِ وَالْمُهْلَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ تَحَمَّلَ ثُمَّ بَلَغَ وَأَدَّى قُبِلَ اهـ. نَاصِرٌ.
لَا يُقَالُ بَلْ هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَيُعْلَمُ الْقَبُولُ مَعَ التَّرَاخِي بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الزَّمَنِ مَظِنَّةُ تَجَدُّدِ التَّحَمُّلِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَالتَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّسْيَانِ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِخِلَافِ التَّعْقِيبِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ حَالَ كُفْرِهِ أَوْصَى حَالَ صِبَاهُ أَوْ عَبْدٌ حَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute