كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَلِكَ مَالِكٌ قَلِيلًا (فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ (خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَارِحٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ.
وَأُجِيبَ بِبُعْدِ ذَلِكَ جِدًّا مَعَ كَوْنِ الْوَاصِفِ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَالِكٍ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى (، وَإِنْ قَالَ) نَحْوُ الشَّافِعِيِّ فِي وَصْفِهِ (لَا أَتَّهِمُهُ) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ (فَكَذَلِكَ) يُقْبَلُ وَخَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا (وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ تَوْثِيقًا) ، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ مِنْ مِثْلِ الشَّافِعِيِّ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ بِالثِّقَةِ
ــ
[حاشية العطار]
فَالثِّقَةُ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر وَإِذَا قَالَ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: الزُّهْرِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ الَّذِي يَقُولُ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْر يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُلُّ مَا فِي كِتَابِ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ (قَوْلُهُ: إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ ثِقَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ مِمَّنْ يَرَى الِاكْتِفَاءَ بِالْمَسْتُورِ اهـ. سم.
قَالَ النَّجَّارِيُّ وَبِهَذَا تَصِيرُ الْأَقْسَامُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةً: مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالْعَدَالَةِ مَعْلُومَهُمَا مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَيْنِ عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ لَا يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالرَّابِعُ يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ: مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ نَحْوَ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ بِتَوْفِيقٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ التُّهْمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِاتِّفَاقِهِ، وَلَا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إذَا وَقَعَ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَسْأَلَةٍ دِينِيَّةٍ فَهُوَ وَالتَّوْثِيقُ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فَمِنْ ثَمَّ خَالَفْنَاهُ فِي مِثْلِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ) لَمْ يَقُلْ فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ أَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إلَى انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْإِشَارَةِ تَأْكِيدًا، وَقَالَ الْكَمَالُ جَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا التَّشْبِيهَ فِي أَمْرَيْنِ: تَرْجِيحُ الْقَبُولِ وَمُخَالَفَةُ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ لِيُظْهِرَ أَنَّ قَوْلَ الذَّهَبِيِّ مُخَالِفٌ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِلٌ بِالْقَبُولِ وَالثَّانِي قَائِلٌ بِأَنَّ لَا أَتَّهِمُ تَوْثِيقٌ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِجَوَازِ جَارِحٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ وَالذَّهَبِيُّ بِنَفْيِ كَوْنِهِ تَوْثِيقًا أَصْلًا وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّهَامِ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِضَبْطِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ الذَّهَبِيَّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ) لَوْ قَالَ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ وَاضِحًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ هَذَا هِيَ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فَلَفْظُ مِثْلِ إمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِلتَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَا غُيِّرَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا) أَيْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لَكِنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ تَوْثِيقٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ تَوْثِيقٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ إلَخْ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي طَبَقَاتِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَحَامِلًا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَنْبَلِيًّا، وَقَدْ أَطْنَبَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَتَى بِكَلَامٍ نَفِيسٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاتِّهَامَ افْتِعَالٌ مِنْ الْوَهْمِ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجَرْحِ عَلَى وَجْهِ الْمَرْجُوحِيَّةِ نَفْيُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْجَحِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّوْثِيقَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ ظَنُّ الْجَارِحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ظَنِّ الْجَرْحِ التَّعْدِيلُ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
(قَوْلُهُ:، وَأُجِيبَ إلَخْ) الْمُجِيبُ هُوَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: مُحْتَجًّا إلَخْ) فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّوَايَةِ الِاحْتِجَاجُ