للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عَصَى بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ بَدَلَ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَكَبَائِرُ الْخِسَّةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ بِهِ مَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلُ لِتِلْكَ لَا الْكَبِيرَةِ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِرْوَاحًا نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْ التَّعَارِيفِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْكَبِيرَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْدِيدِهَا بِمَا يَلِي الْكُفْرَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ فَقَالَ (كَالْقَتْلِ) أَيْ عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ (وَالزِّنَا) بِالزَّايِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»

ــ

[حاشية العطار]

وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّهُمَا قَالَا إنَّهُمْ أَيْ الْأَصْحَابَ أَمْيَلُ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ {وَالنَّجْمِ} فَإِنْ أُرِيدَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مَا عَدَا الْمَنْصُوصِ فَمُحْتَمَلٌ، وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُوقَ وَشَهَادَةَ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَا يُوجِبَانِ حَدًّا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) أَيْ قَالَا لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّهَا كَبَائِرُ نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عُصِيَ بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّوَاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١] الْآيَةَ وُجِدَتْ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَفَى الْكَبَائِرَ نَظِيرًا لِسَعَةِ الرَّحْمَةِ

(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ إلَخْ) أَيْ لَا نَظَرًا لِذَاتِهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ) أَيْ وَهِيَ كَبَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ عِنْدَهُمَا فَلَا تَضُرُّ، وَلَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَكِنْ عِنْدَنَا تُسَمَّى صَغَائِرَ وَعِنْدَهُمَا كَبَائِرَ فَالْخُلْفُ رَاجِعٌ إلَى التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ: بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَادَةً وَفَسَّرَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الِاكْتِرَاثَ بِالِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ وَالدِّيَانَةَ بِالْعِبَادَةِ قَالَ فَالِاكْتِرَاثُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْقَلْبِيَّةِ وَرِقَّةُ الدِّيَانَةِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْبَدَنِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ ضَعْفُ التَّدَيُّنِ الشَّامِلِ لِضَعْفِ اهْتِمَامِهِ وَاعْتِنَائِهِ.

(قَوْلُهُ: بِظَاهِرِهِ) إنَّمَا قَالَ بِظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي إرْشَادِهِ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةُ الْعَدَالَةِ. اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: الشَّامِلَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ لِتِلْكَ أَيْ لِصَغِيرَةِ الْخِسَّةِ (قَوْلُهُ: اسْتِرْوَاحًا) أَيْ تَسَاهُلًا وَطَلَبًا لِلرَّاحَةِ مَعَ عَدَمِ إمْعَانِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَمَا لَمْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَيَشْمَلُ مَا فِيهِ حَدٌّ وَمَا لَا حَدَّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ إلَخْ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْأَمْثِلَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ حَقِيقَةً أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ الِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ عَدِّ الْكُفْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ عَلَى التَّعْرِيفِ الرَّابِعِ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَمِنْ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ تَعْرِيفٌ لِعَدَالَةِ الرَّاوِي الْمُسْلِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُقْبَلُ مَجْنُونٌ وَكَافِرٌ وَالْكَبَائِرُ مَأْخُوذَةٌ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا هِيَ الْكَبِيرَةُ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ) لِقَوْلِهِ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الْكُفْرَ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ قِيلَ: بِعَدَمِ خِطَابِهِمْ

(قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ شِبْهُ كَبِيرَةٍ أَمَّا الْخَطَأُ فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهِ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ كَبِيرَةً فَلَا وِجْهَةَ لِتَخْصِيصِ شُرَيْحٍ بِنَقْلِ نَفْيِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: بِالزَّايِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا (قَوْلُهُ:، ثُمَّ أَيُّ) أَيُّ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَيٌّ أَعْظَمُ (قَوْلُهُ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك) التَّقْيِيدُ بِالْوَلَدِ أَوْ بِحِلَّةِ الْجَارِ لِمَزِيدِ التَّنْفِيرِ وَالْقُبْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>