فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] (وَاللِّوَاطُ) ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَاءِ النَّسْلِ كَالزِّنَا، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ بِسَبَبِهِ كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.
(وَشُرْبُ الْخَمْرِ) ، وَإِنْ لَمْ تُسْكِرْ لِقِلَّتِهَا وَهِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَمُطْلَقُ الْمُسْكِرِ) الصَّادِقِ بِالْخَمْرِ وَبِغَيْرِهَا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ الْمُسَمَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا شُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ لِقِلَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَصَغِيرَةٌ (وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ) قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ الْغَصْبَ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبُعَ مِثْقَالٍ
ــ
[حاشية العطار]
فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْقَتْلَ وَالزِّنَا مُطْلَقًا مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَمَّ الدَّلِيلُ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا) ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ، وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِالتَّرْتِيبِ كَالْحَدِيثِ لَكِنْ رُتِّبَتْ فِيهَا الْمَذْكُورَاتُ ذِكْرًا وَلَا بُدَّ فِي التَّرْتِيبِ ذِكْرًا مِنْ حِكْمَةٍ وَهِيَ تَفَاوُتُهَا فِي الرُّتْبَةِ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي الذِّكْرِ
(قَوْلُهُ: وَاللُّوَاطَةُ) ، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الزِّنَا وَلِذَلِكَ شَدَّدَتْ الْمَذَاهِبُ فِي عُقُوبَتِهِ حَتَّى أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ إرْشَادِ الْأَذْهَانِ، وَهُوَ كِتَابٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُؤَلَّفٌ فِي فِقْهِ الْيَزِيدِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ خَارِجٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الْخَارِجَةِ مَنْكُورٌ إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَتَمَذْهَبُونَ بِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ أَيْ قَتْلِ اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بَيْنَ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ وَالتَّحْرِيقِ وَالرَّجْمِ وَالْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ وَإِلْقَاءِ جِدَارٍ عَلَيْهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَحَدِهَا مَعَ الْإِحْرَاقِ اهـ.
وَأَقُولُ أَمَّا الرَّجْمُ وَالْإِلْقَاءُ مِنْ شَاهِقٍ فَقَدْ قِيلَ: بِهِمَا وَأَمَّا التَّحْرِيقُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا قَالَ بِهِ فِي عُقُوبَةٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ سِوَاهُمْ (قَوْلُهُ: لِمَاءِ النَّسْلِ) أَيْ بِوَطْءٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِذَاتِهِ فَلَا يَرِدُ الِاسْتِمْنَاءُ وَالْعَزْلُ عَنْ حَلِيلَتِهِ، وَقَدْ يَنْتَقِضُ هَذَا أَيْضًا بِوَطْءِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ فِي فَرْجٍ لَيْسَ مَحَلَّ النَّسْلِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا لِمَاءِ النَّسْلِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ فَلَا يَدْرِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْ عَزَلَ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَلُوطِ بِهِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ إلَخْ) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَالِكِيَّةِ: وَفِيهِ وَهَنٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا.
(قَوْلُهُ: وَشُرْبُ الْخَمْرِ) ، وَكَذَا الْأَكْلُ وَمُطْلَقُ وُصُولِ الْجَوْفِ مِمَّا لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، نَحْوُ ابْتِلَاعِ الْأَثَرِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَجِيءُ بِوَاسِطَةِ ابْتِلَاعِ رِيقِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا وَكَذَا الْعَصْرُ وَالِاعْتِصَارُ وَحَمْلُهَا وَطَلَبُ حَمْلِهَا لِشُرْبِهَا وَنَحْوِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشُرْبِهَا أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ اللَّعْنِ، وَفِي الزَّوَاجِرِ أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ، وَلَوْ قَطْرَةً مِنْهَا فَكَبِيرَةٌ إجْمَاعًا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ شُرْبُ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ إلْحَاقُهُ إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّ شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ إنَّمَا يَكُونُ كَبِيرَةً إذَا سَكِرَ مِنْهُ فَمَرْدُودٌ إلَى أَنْ قَالَ فَسُكُوتُ الرَّافِعِيِّ عَلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَهَبَتْ شِدَّتُهَا وَشَرِبَهَا فَصَغِيرَةٌ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالِدُهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهَا أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بَاطِنُهُ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ أَبَدًا، وَإِنْ كُنَّا نُطَالِبُهُ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ الطَّاهِرُونَ وَالطَّاهِرَاتُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي مُبَاحَثَةٍ طَوِيلَةٍ وَقَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ حُكْمًا فِي حَقِّ مَنْ شَرِبَهُ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ حَقِيقَةً لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَالتَّوَعُّدَ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ مَطْبُوخِ عَصِيرِ الْعِنَبِ اهـ. زَكَرِيَّا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّ الْحَنَفِيَّ إذَا شَرِبَ الْقَلِيلَ مِنْ النَّبِيذِ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ