للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا يُقْطَعُ بِهِ السَّرِقَةُ أَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ قَالَ الْحَلِيمِيُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَبِيرَةً.

(وَالْقَذْفُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٢٣] نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِهِنَّ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةُ الْمُتَسَتِّرَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي ظَنِّهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: التَّأْدِيبِيَّاتُ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعْصِيَةَ بِدَلِيلِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ

اسْتِصْلَاحًا

لَهُمْ فَالْحَنَفِيُّ غَيْرُ عَاصٍ لِصِحَّةِ تَقْلِيدِهِ، وَهُوَ مُوقِعٌ لِمَفْسَدَةِ الْمُتَوَسِّلِ إلَى إفْسَادِ عَقْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَزِيدُ فَيُسْكِرُ فَأَحُدُّهُ لِذَلِكَ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ هَاهُنَا قَاعِدَةً جَلِيلَةً قَالَ: مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ أَوْ الْعُقُوبَةُ وَفَعَلَهُ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَجَهِلَ الْحَدَّ أَوْ الْعُقُوبَةَ حُدَّ أَوْ عُوقِبَ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ دُونَ مَنْ شَرِبَهَا يَظُنُّهَا حِلَابًا أَوْ يَعْرِفُ أَنَّهَا خَمْرٌ وَلَكِنْ يَحْسَبُهَا حَلَالًا إذَا كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ سُؤَالِ مَنْ قَالَ كَيْفَ لَا تُخْرِجُ الشَّافِعِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقِّلِ وَجْهَيْنِ إقَامَةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مَقَامَ الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ كَمَا أَنَّ لَهُمْ وَجْهًا فِي أَنَّ وَطْءَ الْمُرْتَهِنِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِمَا يُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ تَجْوِيزِ إجَارَةِ الْجَوَارِي وَالْوَطْءِ بِالْإِذْنِ قَالَ هَذَا السَّائِلُ فَاعْتِبَارُ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ خِلَافِ عَطَاءٍ هَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ يَظْهَرُ ضَعْفُهُ بِتَأَمُّلِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَعْفِهِ إنَّمَا أَقَامَ خِلَافَ عَطَاءٍ شُبْهَةً لِقَوْلِهِ بِالْحِلِّ لَا بِالْحُرْمَةِ مَعَ سُقُوطِهِ الْحُدُودَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِحِلِّ الْقَتْلِ بِالْمُثَقِّلِ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَالَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَكَانَ الْقَائِلُ بِالْمِثْلِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ جَاهِلًا بِالْعُقُوبَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ جَهْلُهُ بِهَا بِخِلَافِ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ أَصْلِهَا اهـ.

وَمَا نَقَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ نَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ قَالَ نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَذْهَبِ عَطَاءٍ إبَاحَةَ وَطْءِ الْجَوَارِي بِإِذْنِ أَرْبَابِهِنَّ وَحَكَى أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِجَوَارِيهِ إلَى ضِيفَانِهِ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا اهـ.

وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَمَا كُلُّ مَقُولٍ مَقْبُولٌ وَالْأَدَبُ فِي حَقِّ السَّلَفِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ مَا نَصُّهُ لِمُرَاعَاتِهِ شُرُوطُ أَحَدِهَا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْخِلَافِ قَوِيًّا فَإِنْ كَانَ وَاهِيًا لَمْ يُرَاعِ كَالرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَنْكَرَهَا وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا يَصِحُّ لَهَا مُسْتَنَدٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُعَارِضَةٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْعَارِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَحِّحُوا النَّقْلَ عَنْهُ فَإِنَّا نَقُولُ: وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا أَثَرَ لَهَا فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُبَاحُ بِالْإِذْنِ كَمَا فِي بُضْعِ الْحُرَّةِ كَشُبْهَةِ الْحَنَفِيِّ فِي النَّبِيذِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يُقْطَعُ بِهِ) أَيْ بِجَزْمِ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي السَّرِقَةِ أَيْ فِي كَوْنِهَا كَبِيرَةً فَهُوَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الِاتِّفَاقِ لَا بِمَعْنَى إبَانَةِ الْعُضْوِ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي الِاحْتِرَازِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا سَرِقَةُ الْقَلِيلِ فَلَا يَقْطَعُهُ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا غِنًى) بَابُهُ صَدًى يُقَالُ غَنِيَ يَغْنَى كَصَدَى يَصْدَى تَصَدَّى.

(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ) خَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>