مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَمُبَاحٌ، وَكَذَا جَرْحُ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ بِالزِّنَا إذَا عُلِمَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ.
(وَالنَّمِيمَةُ) وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ يَعْنِي عِنْدَ النَّاسِ» .
زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ يَعْنِي: عِنْدَ اللَّهِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ»
أَمَّا نَقْلُ الْكَلَامِ نَصِيحَةً لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَوَاجِبٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: ٢٠] ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْغِيبَةَ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّخْصِ أَخَاهُ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَالْعَادَةُ قَرْنُهَا بِالنَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ قَالَ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا نَعَمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إنَّهَا كَبِيرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الْأَكْثَرِ الْكَبِيرَةَ بِمَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: ١٢] وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ فِي مَوَاضِعَ مَذْكُورَةٍ فِي مَحَلِّهَا.
(وَشَهَادَةُ الزُّورِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهَا فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ
ــ
[حاشية العطار]
الْمَفْسَدَةِ، وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] وَهَذَا رَمْيُ مُحْصَنَةٍ اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ) الْغَرَضُ نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ فَيَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي إبَاحَةِ قَذْفِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ الْمُؤَكَّدُ بِزِنَاهَا اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: فَمُبَاحٌ) أَيْ غَيْرُ حَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْقَذْفُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ) ، وَلَوْ بِنَحْوِ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ أَوْ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَلَاقَةٌ كَصَدِيقِهِ وَقَرِيبِهِ وَغُلَامِهِ مِمَّنْ يَتَرَتَّبُ الْإِفْسَادُ عَلَى النَّقْلِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِفْسَادَ أَوْ لَا حَيْثُ كَانَ الْإِفْسَادُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّقْلِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفْسَادِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَأَذٍّ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ وَالْمُرَادُ بِالنَّامِّ النَّمَّامُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الدَّلِيلَ أُخِذَ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ الْمُدَّعَى أَنَّ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ إلَّا إذَا تَكَرَّرَتْ؛ لِأَنَّ نَمَّامَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فَيَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ) أَيْ صَاحِبَهُمَا (قَوْلُهُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) فِيهِ أَنَّ " كَانَ " تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَى تَكْرَارِ النَّمِيمَةِ تَرَتُّبُهُ عَلَى أَصْلِ النَّمِيمَةِ حَتَّى يَكُونَ مُطْلَقُ النَّمِيمَةِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: أَخَاهُ) أَيْ فِي الْخِلْفَةِ فَيَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُرَادُ ذِكْرُهُ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَادَّةُ الْغِيبَةِ وَقَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُهُ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا) قَالَ النَّاصِرُ لَوْ قَالَ بِغَلَبَةِ الْبَلْوَى بِهَا لَكَانَ أَوْفَقَ بِقَوْلِهِ فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا إذْ الْبَعْضُ سَلِمَ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ الْكَثْرَةُ أَوْ الْعُمُومُ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَقَلَّ إلَخْ سم قَالَ النَّجَّارِيُّ وَالْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ صَغِيرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا (قَوْلُهُ: يَخْمُشُونَ) أَيْ يَخْدِشُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ (قَوْلُهُ: يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ) قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَالْأَكْلُ مُحَقَّقٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ يَرَوْنَهُ بِأَبْصَارِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ (قَوْلُهُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إلَخْ) هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِلْوَعِيدِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْكَبِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هِيَ سِتَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْأَذْكَارِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ بِإِيضَاحٍ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتَيْنِ، وَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute