وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِالنَّفْيِ بَلْ قَالَ، وَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلَسًا (وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي قَاطِعَ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْقَطْعِ ضِدُّ الْوَصْلِ وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ.
(وَالْعُقُوقُ) أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» فَلَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْوَالِدِينَ فِي الْعُقُوقِ
(وَالْفِرَارُ) مِنْ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ أَيْ الْمُهْلِكَاتِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ يَجِبُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ لِانْتِفَاءِ إعْزَازِ الدِّينِ بِثُبُوتِهِ
(وَمَالُ الْيَتِيمِ) أَيْ أَكْلُهُ
ــ
[حاشية العطار]
الْقَدَحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرٍ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكِرٍ.
(قَوْلُهُ: وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ الدَّالِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَحْدَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ حَقِيقِيٌّ، وَفِي هَذَا إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) أَيْ الْكَاذِبَةُ، وَهُوَ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِفُجُورِ الْآتِي بِهَا (قَوْلُهُ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى اقْتِطَاعِ حَقِّ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَالدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَدِلَّةِ جَرَى مَجْرَى الْغَالِبِ.
(قَوْلُهُ: وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مُقْتَضَى الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ الْقَرَابَةُ، وَلَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ مَا أَلِفَ الْقَرِيبُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ قَرِيبُهُ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسِلَةً أَوْ زِيَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ لَا بِقَيْدِ الْمُحَرَّمَاتِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْوَالِدِينَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ وَالِدٍ فَيَشْمَلُ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ
(قَوْلُهُ: بِثُبُوتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِثَبَاتِهِ
(قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُهُ) فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْت إنَّمَا ذَكَرَهُ لِوُرُودِهِ بِخُصُوصِهِ وَحِكْمَةُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَفِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي خِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا لَكِنَّ إفْرَادَهَا بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِبَيَانِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ حِلُّهَا تَبَعًا لِمَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا اهـ. سم.
وَعَبَّرَ بِالْأَكْلِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ مَثَلًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَالُ الْيَتِيمِ دُونَ ذِكْرِ مُضَافٍ خَاصٍّ لِيَصِحَّ تَقْدِيرُ مَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُودِ الْإِتْلَافِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَكْلُ أَعَمَّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ اخْتَارَهُ الشَّارِحُ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ هُنَا صَرَّحَ فِي الْآيَةِ بِهِ دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْإِتْلَافِ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ، وَهُوَ أَكْلٌ حَقِيقِيٌّ وَحُكِيَ أَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا فِي سَفِينَةٍ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا نَارًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هَلْ هُنَا أَحَدٌ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا فَقَالَ: اُنْفُخْ عَلَى هَذَا الشَّيْءِ فَنَفَخَ فِيهِ فَاشْتَعَلَ نَارًا وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ لِإِنْكَارِ هَذَا وَنَحْوِهِ مَنْ أَلِفَ تَلَقُّفَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ بِدُونِ أَنْ يَذُوقَ مَدَارِكَهَا، وَلَا اطَّلَعَ عَلَى حَقَائِقِهَا لِاحْتِجَابِ هِلَالِ عَقْلِهِ بِسَحَابِ الْوَهْمِ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ جَلَالُ الدِّينِ الدَّوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالزَّوْرَاءِ أَنَّ الْمَحْجُوبَ الْمُنْغَمِسَ فِي أَحْكَامِ الطَّبِيعَةِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ إلَّا بِصُوَرِهَا لِتَعَوُّدِهِ بِالْعَوَائِدِ الْمَأْلُوفَةِ الطَّبِيعِيَّةِ يُنْكِرُ الْحَقِيقَةَ عِنْدَ تَبَدُّلِ الصُّورَةِ، وَلَا يَعْرِفُهَا لِتَحَوُّلِهَا فِي مَلَابِسِهَا لَكِنَّ الْعَارِفَ الْمُدْرِكَ