للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ

ــ

[حاشية العطار]

فِيهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ حَتَّى نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأَكْثَرِ جَوَازَ الْقِيَاسِ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهُ الْمَحَلُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُجَوِّزِي الْقِيَاسِ وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ خُصُوصًا وَالْمَسْأَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ابْنِ الْوَكِيلِ وَهَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِهِ وَلَعَلَّهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَنَقْلُ مَا قَالَهُ بِتَمَامِهِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ اهـ. سم

(قَوْلُهُ: كَضَمَانِ الدَّرْكِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَأَنْ يُقَاسَ عَلَى ضَمَانِ الْوَاجِبِ فِي الْجَوَازِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهَا وَوَجْهُ الْمَنْعِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ مُطَابِقٌ وَلَا حَاجَةَ إلَّا مَا تَكَلَّفَهُ الشَّارِحُ، وَتَعْلِيلُ الْمَتْنِ بِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيهِ كَوْنُ مُقْتَضَى الْأُولَى الْجَوَازَ وَالثَّانِيَةِ الْمَنْعَ اهـ.

وَأَقُولُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ عَلَى الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ الْمِثَالَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّرَهُ حَتَّى لَزِمَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْوَكِيلِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مِنْ سم.

(قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي إلَخْ) أَيْ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ يَقْتَضِي مَنْعَ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ اشْتِرَاطَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ) هَذَا عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ) هُوَ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّبَقَاتِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْبَازُ الْأَشْهَبُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِشِيرَازَ وَكَانَ يُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ حَتَّى عَلَى الْمُزَنِيّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالشَّافِعِيِّ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْمُزَنِيِّ يَقُولُ رَبِّ هَذَا قَدْ أَفْسَدَ عُلُومِي فَأَقُولُ أَنَا مَهْلًا بِأَبِي إبْرَاهِيمَ فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ فِي إصْلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أُرِيت الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لِي هَذَا رَبُّك تَعَالَى يُخَاطِبُك قَالَ فَسَمِعْت الْخِطَابَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ قَالَ فَقِيلَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ قَالَ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرَادُ مِنِّي زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ غَيْرَ أَنَّا أَصَبْنَا مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ فَقَالَ أَمَا إنِّي سَأَغْفِرُ لَك وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ لَنَا ابْنُ سُرَيْجٍ يَوْمًا أَحْسِبُ أَنَّ الْمَنِيَّةَ قَدْ قَرُبَتْ فَقُلْنَا وَكَيْفَ قَالَ رَأَيْت الْبَارِحَةَ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسَ قَدْ حُشِرُوا وَكَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي بِمَ أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَالَ مَا سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَقْوَالِ بَلْ سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَفْعَالِ فَقُلْت أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ اجْتَنَبْنَاهَا.

وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَعَوَّلْنَا فِيهَا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَقُلْنَا لَهُ مَا فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي سُرْعَةَ الْمَوْتِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: ١] قَالَ فَمَاتَ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ قِيلَ إنَّ مُصَنَّفَاتِهِ بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ مُنَاظَرَاتٌ قَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْمًا أَبْلِعْنِي رِيقِي فَقَالَ أَبْلَعْتُك دِجْلَةَ، وَقَالَ مَرَّةً أَمْهِلْنِي السَّاعَةَ فَقَالَ أَمْهَلْتُك مِنْ السَّاعَةِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَتَنَاظَرَا مَرَّةً فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد تُبَاعُ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَزُولُ بِوِلَادَتِهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا لَا تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا تُبَاعُ إذَا انْفَصَلَ الْحَمْلُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَبُهِتَ ابْنُ دَاوُد

وَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَرَّةً فِي أَثْنَاءِ الْمُنَاظَرَةِ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ أَمْهَرُ مِنْك فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوَ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ تُعَيِّرُنِي وَاَللَّهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةَ مَنْ يَفْهَمُ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَجَلِّ الْمَنَاقِبِ إذْ كُنْت أَقُولُ فِيهِ:

أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ الْمَحَاسِنِ مُقْلَتِي ... وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا

وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي ... فَلَوْلَا اخْتِلَاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا

رَأَيْت الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... فَمَا أَنْ أَرَى حَيًّا صَحِيحًا مُسْلِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>