للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلِاسْتِغْنَاءِ حِينَئِذٍ عَنْ الْقِيَاسِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جَعْلُ بَعْضِ الصُّوَرِ الْمَشْمُولَةِ أَصْلًا لِبَعْضِهَا بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ مِثَالُهُ مَا لَوْ اُسْتُدِلَّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، ثُمَّ قِيسَ عَلَيْهِ الذُّرَةُ بِجَامِعِ الطَّعَامِ فَإِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ الذُّرَةَ كَالْبُرِّ سَوَاءً، وَسَيَأْتِي مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ بِعُمُومِهِ أَوْ خُصُوصِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَمُقَابِلُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى جَوَازِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَأْتِي هُنَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِلَاوَةِ السَّابِقَةِ فِي التَّوْجِيهِ وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِالظَّاهِرِ

ــ

[حاشية العطار]

أَنَّهُ لِعِلَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرَتَّبْ بِالْفَاءِ وَإِذَا.

وَأَجَابَ سم أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ بِأَنَّ الْإِيمَاءَ غَايَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ قَائِمٌ بِخُزَيْمَةَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْحُكْمَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ إيمَاءٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ هُوَ أَيْضًا أَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمَعْنَى الْمُتَعَدِّي عَلَى مَا مَرَّ وَاَلَّذِي أَفَادَهُ الْمَسْلَكُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَعَدَّى فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ الْعِلَّةَ وَهُوَ إيمَانُ خُزَيْمَةَ الْقَائِمُ بِهِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالتَّصْدِيقِ فَإِنَّ اقْتِرَانَهُ أَوْجَبَ عِلَّةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَزِيَّةَ لَا تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَالْعِلَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً كَانَ الْحُكْمُ خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْنَاءِ) عِلَّةٌ لِلِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ شَامِلًا فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ فَفِي جَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ، وَكَانَ الشَّارِحُ ذَكَرَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْعِلَاوَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا كَالشُّهْرَةِ أَوْ الْمُلَاحَظَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الطَّعَامَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مِثَالُهُ أَيْ وَجْهُ كَوْنِهِ مِثَالًا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَخْ) وَذَلِكَ كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الْإِسْكَارِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْإِسْكَارِ بِمَا وَرَدَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَهَذَا الدَّلِيلُ شَامِلٌ لِلنَّبِيذِ فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: بِعُمُومِهِ) بِأَنْ يَعُمَّ الْأَصْلَ وَفُرُوعًا كَثِيرَةً وَقَوْلُهُ أَوْ خُصُوصِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الْوَاحِدِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ خَاصًّا كَيْفَ يَتَعَدَّى (قَوْلُهُ: لَا يَتَأَتَّى هُنَا) أَيْ فِي دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الْفَرْعِ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْمُقَابِلُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّحَكُّمُ إذْ الْحُكْمَانِ مَدْلُولَانِ لِلدَّلِيلِ عَلَى السَّوَاءِ فَالْقِيَاسُ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ وَهُوَ التَّحَكُّمُ.

وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا تَحَكُّمَ إذْ مَحَلُّ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ غَيْرُ مَدْلُولٍ لِدَلِيلِهَا فَالْحُكْمَانِ غَيْرُ مَدْلُولَيْنِ لِلدَّلِيلِ عَلَى السَّوَاءِ إذْ الْمَدْلُولُ هُوَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ فَالْقِيَاسُ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ دَالٌّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ قَطْعًا إذْ مَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلَّةِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِهَا مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بَاعِثًا عَلَيْهِ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ كَانَ دَالًّا عَلَى الْحُكْمَيْنِ قَطْعًا فَمَا قِيلَ فِي أَحَدِهِمَا يُقَالُ فِي الْآخَرِ إذْ هُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ

وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ فَإِذَا كَانَ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ فَرْعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَيْنِ تَسَاوَيَا فِي شُمُولِ النَّصِّ لَهُمَا مَعَ قَصْدِ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ حَتَّى يُجْعَلَ أَصْلًا لَهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ الْمُقَابِلُ هُنَا بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إثْبَاتُ مُجَرَّدِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الْفَرْعِ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَخُصُّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا الدَّلِيلِ إثْبَاتَهُ بَلْ مُجَرَّدَ إثْبَاتِ عِلَّتِهِ حَتَّى صَارَ هَذَا الدَّلِيلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَهُ مَزِيَّةٌ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِلَاوَةِ السَّابِقَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّحَكُّمَ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ أَصْلًا لِلْأُخْرَى مَعَ تَنَاوُلِ الدَّلِيلِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الصُّوَرِ وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ دَلِيلَانِ وَقَوْلُ النَّاصِرِ الْعِلَّةُ وَالدَّلِيلُ مُتَلَازِمَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى دَلِيلِ الْعِلَّةِ أَيْ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَمَا قِيلَ فِي أَحَدِهِمَا يُقَالُ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِالظَّاهِرِ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>