(كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ) فَإِنَّ الشَّيْءَ بِاسْتِنَادِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عِلَّتَيْنِ يَسْتَغْنِي عَنْ الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَغَيْرَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي التَّعَاقُبِ حَيْثُ يُوجَدُ بِالثَّانِيَةِ مَثَلًا نَفْسُ الْمَوْجُودِ بِالْأُولَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ الْمُحَالَ الْأَوَّلَ عَلَى الْمَعِيَّةِ.
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْمُحَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مُعَرِّفَاتٌ مُفِيدَةٌ لِلْعِلْمِ بِهِ فَلَا وَعَلَى الْمَنْعِ حَيْثُ قِيلَ فَمَا يَذْكُرُهُ الْمُجِيزُ مِنْ التَّعَدُّدِ إمَّا أَنْ يُقَالَ فِيهِ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ
ــ
[حاشية العطار]
يُتَوَهَّمُ بَلْ هَاهُنَا وَصْفَانِ أُجْمِعَ عَلَى انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ لِلْجَهْلِ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ لَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَهْلِ لَا يَضُرُّ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِيَةٌ فِي إقَامَةِ الْحُكْمِ؟ هَذَا مَوْضِعُ تَرَدُّدٍ فَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَهَلْ لَهُ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مَنْكُوحَةً أَوْ مَمْلُوكَةً أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَطَأُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا الثَّانِي
وَمِنْهَا مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَارِثٌ وَاحِدٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمَالِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَأْخُذُ التَّرِكَةَ إرْثًا وَالثَّانِي يَأْخُذُ وَصِيَّةً وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ دَيْنٌ، فَإِنْ قُلْنَا يَأْخُذُهَا إرْثًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةً قَضَاهُ مِنْهَا وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الِامْتِنَاعُ لَوْ قَضَى مِنْ غَيْرِهَا وَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَأَطَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْوَالِدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُبَاحَثَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ كِتَابَتِهِ لَهَا فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فِي دَرْسِ الْغَزَالِيَّةِ، وَقُلْت قَدْ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا إرْثًا جَازَ لَهُ الْوَطْءُ وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةً فَهُوَ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَ مَالِكٍ بِالْوَصِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى يَرُدَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطَأُ بِمِلْكِ الْإِرْثِ وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَرُدَّ لَا يَدْرِي بِأَيِّ الْمِلْكَيْنِ يَطَأُ فَيَمْتَنِعُ وَطْؤُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْقَابِلِ بِنَظِيرِهِ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ: كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ) إثْبَاتُهُ بِالْكَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ انْحِصَارِ الْمُحَالِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ اسْتِنَادِهِ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُسْتَغْنٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ اسْتِنَادُهُ
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ) لَا يُقَالُ شَرْطُ التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَهِيَ هُنَا مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ وَهُنَا وَاحِدٌ مُتَّحِدٌ بِالشَّخْصِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ بِالْكَافِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي التَّعَاقُبِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي الْمَعِيَّةِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُمَا حَصَلَا مَعًا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُوجَدُ بِالثَّانِيَةِ مَثَلًا) أَيْ كَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَقَوْلُهُ نَفْسُ الْمَوْجُودِ بِالْأُولَى أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِثْلُهُ لَا عَيْنُهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ إلَخْ) أَيْ خَصَّصَ الْمُحَالَ الْأَوَّلَ بِالْمَعِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ الْمُحَالَ الثَّانِيَ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِلتَّعَاقُبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْمُحَالُ الْأَوَّلُ فِي التَّعَاقُبِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ، قَالَ الْعَضُدُ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ هِيَ مَا يُفِيدُ وُجُودَ أَمْرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْعِيَّةً وَهِيَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ أَمْرٍ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الدَّلِيلِ وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ
(قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُحَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْعَلَامَاتِ، وَالْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مُؤَكِّدٌ لِلْعِلْمِ بِالْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَبِهَذَا يُرَدُّ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ وَبِالتَّأْكِيدِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَلَامَتَيْنِ وَعَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ لَازِمٌ عَلَى أَنَّهَا مُعَرِّفَاتٌ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِنَادِ الْمَعْرِفَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ كُلٍّ وَكَذَا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالثَّانِيَةِ غَيْرُ الْحَاصِلِ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: حَيْثُ قِيلَ بِهِ) أَيْ حَيْثُ سَلَّمَهُ الْخَصْمُ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَذْكُرُهُ الْمُجِيزُ) وَهُمْ الْجُمْهُورُ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فِي الْمَعِيَّةِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute