مَثَلًا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ فِيهِ بِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.
(وَالْمُخْتَارُ وُقُوعُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إثْبَاتًا كَالسَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ وَالْغُرْمِ) حَيْثُ يَتْلَفُ الْمَسْرُوقُ أَيْ لِوُجُوبِهِمَا (وَنَفْيًا كَالْحَيْضِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا) كَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَيْ لِحُرْمَتِهَا وَقِيلَ يَمْتَنِعُ تَعْلِيلُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُنَاسَبَتَهَا لِحُكْمٍ تَحَصَّلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فَلَوْ نَاسَبَتْ آخَرَ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا الْقَطْعُ زَجْرًا عَنْهَا، وَالْغُرْمُ جَبْرًا لِمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ (إنْ لَمْ يَتَضَادَّا) بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَادَّا كَالتَّأْبِيدِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْإِلْحَاقِ بِالْعِلَّةِ (أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ) سَوَاءٌ فُسِّرَتْ بِالْبَاعِثِ أُمّ الْمُعَرِّفِ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ
ــ
[حاشية العطار]
لَا بِعَيْنِهِ أَيْ فِي التَّعَاقُبِ (قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ جَوَازَ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُعَلَّلِ أَشَارَ إلَى أَنَّ عَكْسَهُ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ وُقُوعُ حُكْمَيْنِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعِلَّةِ بِالْبَاعِثِ أَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ فَوَاقِعٌ قَطْعًا كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَمَثَّلُوهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ وَبِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبِ الصُّبْحِ
(قَوْلُهُ: إثْبَاتًا وَنَفْيًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ أَيْ فِي الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا تَمْيِيزَيْنِ مُحَوَّلَيْنِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ وُقُوعِ إثْبَاتِ حُكْمَيْنِ أَوْ نَفْيِهِمَا وَلَا إشْكَالَ فِي تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِلنَّفْيِ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ حُكْمًا ثَابِتًا فَهِيَ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ النَّهْيَ يُشْبِهُ النَّفْيَ (قَوْلُهُ: كَالْحَيْضِ لِلصَّوْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُنَاسَبَتَهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْبِنَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: يَتَرَتَّبُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْمَقْصُودِ فَالْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَيُحْتَمَلُ السَّبَبِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِالْمَقْصُودِ الْحِكْمَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ) وَهُوَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ ذَلِكَ) أَيْ لُزُومِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ: تَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ) إذْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يَشْتَمِلَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ عَلَى مَصَالِحَ جَمَّةٍ فَالْحَاصِلُ ثَانِيًا غَيْرُ الْحَاصِلِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْقَطْعُ) أَيْ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَالْغُرْمِ أَيْ وُجُوبُ الْغُرْمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَبْرُ لِمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ فَتَعَدُّدُ الْمَقْصُودِ لِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَضَادَّا) كَالسَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ وَكَالْحَيْضِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَبُطْلَانُ الْإِجَارَةِ) لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تَتَّحِدَ بِزَمَنٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَضَادَّ هُنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ وَالْبَيْعُ لَا يُضَادُّ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ الذَّوَاتِ وَالْإِجَارَةَ نَقْلُ الْمَنَافِعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ تَصْحِيحُ الثَّانِي وَبِهَذَا تَعْلَمُ رَدَّ قَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّنَاسُبَ لِلْمُتَضَادَّيْنِ بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَاسِبُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ
(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) أَعَادَ الْعَامِلَ هُنَا لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلْيُنْظَرْ النُّكْتَةُ فِي إعَادَتِهِ فِي الَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِمَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ بَاعِثٍ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْمُعَرِّفُ لَزِمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرِّفِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّ الْحُكْمَ عُرِفَ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُحَالٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا فُسِّرَ الْمُعَرِّفَ بِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ أَمَّا إذَا فُسِّرَ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ فَلَا كَمَا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ إلَّا بِتَفْسِيرِ الْمُعَرِّفِ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ لَا بِتَفْسِيرِهِ بِاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ، إذْ سَبْقُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِالتَّعْرِيفِ مَانِعٌ مِنْ حُصُولِ التَّعْرِيفِ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْمُعَرِّفِ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُتَأَخِّرَ حِينَئِذٍ لِمُتَقَدِّمٍ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ إذْ الْحَادِثُ يُعَرِّفُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْقَدِيمَ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَفِي النَّاصِرِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْعِلَلَ الْغَائِيَّةَ بَوَاعِثٌ عَلَى مَعْلُولِهَا ذِهْنًا وَهِيَ مَعْلُولَةٌ لَهُ خَارِجًا وَالْمَعْلُولُ الْخَارِجِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلَّتِهِ بِالذَّاتِ وَبِالزَّمَانِ