أَوْ الْمُعَرِّفَ لَهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ (خِلَافًا لِلْقَوْمِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ، وَتَأَخُّرُ ثُبُوتِهَا بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمُعَرِّفِ كَمَا يُقَالُ عَرَقُ الْكَلْبِ نَجِسٌ كَلُعَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَإِنَّ اسْتِقْذَارَهُ إنَّمَا ثَبَتَ بَعْدَ ثُبُوتِ نَجَاسَتِهِ.
(وَمِنْهَا أَنْ لَا تَعُودَ عَلَى الْأَصْلِ) الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ (بِالْإِبْطَالِ) لِأَنَّهُ مَنْشَؤُهَا
ــ
[حاشية العطار]
كَالْجُلُوسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّرِيرِ وَاَلَّذِي يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرًا أَيْ ثُبُوتُ اعْتِبَارِهَا عِلَّةً يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا عِلَّةً عِنْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ تَأَخُّرُ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ عَنْ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.
وَمَا أَجَابَ بِهِ سم مِنْ أَنَّ الْبَاعِثَ قَصْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ وَالْبَاعِثَةُ مُتَّحِدَةٌ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَةٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّاصِرُ مِنْ تَأَخُّرِ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ زَمَانًا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِمْ بِالْقَوْلِ بِالتَّعْلِيلِ أَوْ الَّتِي يَقَعُ التَّأْثِيرُ عِنْدَهَا كَحَرَكَةِ الْخَاتَمِ مَعَ الْإِصْبَعِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ أَنَّهُ لَا مُؤَثِّرَ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ اخْتِيَارِيٌّ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ عَلَى كُلّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُقَارِنَةٌ لِلْمَعْلُولِ زَمَانًا عَلَى مَا حُقِّقَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ،
وَلِلْمُصَنِّفِ هَاهُنَا كَلَامٌ نَفِيسٌ ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةُ تَسْبِقُ الْمَعْلُولَ زَمَانًا عِنْدَ أَقْوَامٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّيْخُ الْوَالِدُ وَتُقَارِنُهُ عِنْدَ أَقْوَامٍ آخَرِينَ وَلَعَلَّهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَفَصَّلَ قَوْمٌ فَقَالُوا الْعَقْلِيَّةُ لَا تَسْبِقُ، الْوَضْعِيَّةُ تَسْبِقُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْوَضْعِيَّةُ تَسْبِقُ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعَقْلِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَا فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقُ لَا يُقَارِنُ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ بَلْ يَتَأَخَّرُ بِلَا شَكٍّ
١ -
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا مِنْهَا لَوْ نَكَحَ الْكَافِرُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بَالِغَةً وَأَسْلَمَ أَبُو الطِّفْلِ وَالْمَرْأَةُ مَعًا قَالَ الْبَغَوِيّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْوَلَدِ حَصَلَ عَقِبَ إسْلَامِ الْأَبِ فَتَقَدَّمَ إسْلَامُهَا عَلَى إسْلَامِ الزَّوْجِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ أَوْ مُقَارِنَةٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الْمُقَارَنَةُ وَعَلَيْهِ يَتَّجِهُ قَوْلُ الْبَغَوِيّ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْمَعْلُولِ وَإِنْ قُلْنَا مَعَهُ، فَإِنْ جَعَلْنَا مَا مَصْدَرِيَّةً غَيْرَ ظَرْفِيَّةٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا ظَرْفِيَّةً لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ ظَرْفِيَّةً فَالْمَعْنَى كُلُّ وَقْتٍ فَإِذَا قُلْنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَوَاحِدَةٌ مِنْ الْمُعَلَّقِ كِلَاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثَالِثَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ وَقْتٍ غَيْرَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذْ لَا تَكْرَارَ فِي كُلٍّ، وَإِنَّمَا لَهَا عُمُومٌ فَقَطْ هَذَا إنْ قُلْنَا الْمَعْلُولُ مَعَ الْعِلَّةِ وَإِنْ قُلْنَا مُتَأَخِّرٌ لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَتَانِ إذْ جَعَلْنَا مَا ظَرْفِيَّةً وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا
فَالْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ تَعْيِينُ غَانِمٍ لِلْعِتْقِ وَلَا قُرْعَةَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ عَلَى سَالِمٍ وَرَقَّ غَانِمٌ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي التَّوْجِيهِ عِتْقُ سَالِمٍ مُرَتَّبٌ عَلَى عِتْقِ غَانِمٍ وَالْأَسْبَقُ أَوْلَى بِالنُّفُوذِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْتِيبِ لَا يَقْتَضِي سَبْقًا زَمَانِيًّا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْأَوْلَوِيَّةُ لِمَا هُوَ الْأَسْبَقُ فِي الزَّمَانِ فَالتَّوْجِيهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا التَّخْرِيجُ عَلَى الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ سَابِقَةٌ، فَإِنْ قُلْنَا سَابِقَةٌ فَقَدْ يُقَالُ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عِتْقِ سَالِمٍ لَيْسَ عِتْقَ غَانِمٍ بَلْ إعْتَاقَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ إيقَاعٌ وَالْعِتْقَ وُقُوعٌ وَالْإِعْتَاقَ سَابِقٌ وَزَمَنَ عِتْقِ سَالِمٍ وَغَانِمٍ وَاحِدٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعِيَّةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهَا سَابِقَةٌ بِالْمَرْتَبَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَافٍ فِي تَعْيِينِ غَانِمٍ اهـ. مُخْتَصَرًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ اسْتِقْذَارَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ أَوْ تَقَدُّمُهُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْذَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّجَاسَةِ أَلَا تَرَى مُخَاطَ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ مَعَ طَهَارَتِهِ وَمَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِقْذَارُ الشَّرْعِيُّ فَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ النَّجَاسَةُ لَزِمَ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهَا فَلَا يَنْدَفِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute