يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ لِلْحَرْبِيِّ كَالْحُرِّ بِجَامِعِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُمَا مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصْلَحَةِ الْإِيمَانِ مِنْ بَدَلِ الْأَمَانِ فَيَعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ فَرَاغِ الْقَلْبِ لِلنَّظَرِ بِخِلَافِ الرِّقِّيَّةِ لِاشْتِغَالِ الرَّقِيقِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَيُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الْحُرِّيَّةَ بِثُبُوتِ الْأَمَانِ بِدُونِهَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ اتِّفَاقًا فَيُجِيبُ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ خَلَفُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ وُسْعِهِ فِي النَّظَرِ فِي مَصْلَحَةِ الْقِتَالِ وَالْأَمَانِ.
(وَيَكْفِي) فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ (رُجْحَانُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) عَلَى وَصْفِهَا بِمُرَجِّحٍ كَكَوْنِهِ أَنْسَبَ مِنْ وَصْفِهَا أَوْ أَشْبَهَ (بِنَاءً عَلَى مَنْعِ التَّعَدُّدِ) لِلْعِلَّةِ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَكْفِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ جَوَازِ التَّعَدُّدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْوَصْفَيْنِ عِلَّةً (وَقَدْ يُعْتَرَضُ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ (بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (وَإِنْ اتَّحَدَ ضَابِطُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ) كَمَا يَأْتِي فِيمَا يُقَالُ يُحَدُّ اللَّائِطُ كَالزَّانِي بِجَامِعِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي حُرْمَةِ اللِّوَاطِ الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَتِهِ وَفِي حُرْمَةِ الزِّنَا الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا الْحَدُّ دَفْعُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُؤَدِّي هُوَ إلَيْهِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا بِأَنْ يَقْصُرَ الشَّارِعُ الْحَدَّ عَلَى الزِّنَا
ــ
[حاشية العطار]
يَأْتِي مَا يُقَالُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُمَثَّلَ لَهُ لَيْسَ هُوَ مَا يُقَالُ إلَخْ بَلْ هُوَ مَا يَأْتِي فِيهِ مِنْ جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ هُنَا وَاعْتِرَاضِهِ فِيمَا يَأْتِي اهـ. زَكَرِيَّا
وَظَاهِرُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ يُنَازِعُ فِي اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَالْعَقْلِ) الْأَوْلَى وَالتَّكْلِيفِ اهـ. زَكَرِيَّا أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الصَّبِيِّ وَعِبَارَتُهُ فِي مَتْنِ مَنْهَجِهِ لِمُسْلِمٍ مُخْتَارٍ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَسِيرِ أَمَانُ حَرْبِيٍّ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْوَصْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ الْحُرِّيَّةُ جُزْءَ عِلَّةٍ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ الْإِذْنُ خَلَّفَ الْحُرِّيَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَأْيَهُ سَدِيدٌ (قَوْلُهُ: فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فَهَذِهِ صُورَةٌ أَلْغَى فِيهَا الْمُسْتَدِلُّ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي رُجْحَانُ إلَخْ) لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَصْفِهَا بِمُرَجِّحٍ) أَيْ عِنْدَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَشْبَهَ) أَيْ أَشَدُّ شَبَهًا وَالشَّبَهُ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ الْوَصْفَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ وَرُجْحَانُ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ الْآخَرِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعِلَلِ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَا ذُكِرَ فَمَا فَائِدَةُ الْمُعَارَضَةِ بِوَصْفِ الْمُعْتَرِضِ مَعَ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا نَفَى الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ عَنْ الْفَرْعِ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِ وَعَارَضَهُ الْمُعْتَرِضُ بِوُجُودِ وَصْفٍ فِي الْفَرْعِ يَقْتَضِي تَعَدِّيَ الْحُكْمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفْتَرَضُ إلَخْ) هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحِكْمَةِ وَمَا قَبْلَهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) أَيْ الْعِلَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمَصْلَحَةِ إشَارَةً إلَى تَرَادُفِهِمَا وَكَذَلِكَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْحِكْمَةِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّحَدَ إلَخْ) الْأَنْسَبُ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ لَا لِلتَّعْمِيمِ قَالَ سم لَيْسَ الْمُرَادُ بِضَابِطِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا لَأَضَافَهُ إلَى الْحُكْمِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute