يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْمَغْرِبِيُّ مَلِكًا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الشَّارِعَ أَلْغَاهُ بِإِيجَابِهِ الْإِعْتَاقَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَلِكٍ وَغَيْرِهِ، وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ بِالْغَرِيبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إلْغَائِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ (فَهُوَ الْمُرْسَلُ) لِإِرْسَالِهِ أَيْ إطْلَاقِهِ عَمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَوْ إلْغَائِهِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَبِالِاسْتِصْلَاحِ (وَقَدْ قَبِلَهُ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ مُطْلَقًا) رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ
ــ
[حاشية العطار]
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ حِكْمَةِ مُخَالَفَتِهِ لِإِمَامِ مَذْهَبِهِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ فَقَالَ: لَوْ فَتَحْنَا لَهُ هَذَا الْبَابَ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ وَيَعْتِقَ فَحَمَلْتُهُ عَلَى أَصْعَبِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى أَنَّ يُنَاسِبُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِكَوْنِ مَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِلزَّجْرِ، وَلَمْ يُفْتِهِ يَحْيَى عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ اهـ. أَيْ فَكَأَنَّهُ أَفْتَاهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: بِإِيجَابِهِ الْإِعْتَاقَ ابْتِدَاءً) هُوَ مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: بِالْغَرِيبِ) أَيْ الْمُنَاسِبِ الْغَرِيبِ (قَوْلُهُ:، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُرْسَلُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَحَلُّهُ لِيَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي إذَا عُلِمَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَضُدُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ قَبِلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُطْلَقًا) هُوَ مُقَابِلُ التَّقْيِيدِ الْآتِي أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ غَيْرِهَا كَذَا قِيلَ: هُنَا لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ ضَرُورِيًّا قَطْعِيًّا كُلِّيًّا اُعْتُبِرَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مُطْلَقًا قَالَ شَارِحُهُ أَيْ سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ) فَإِنَّ اعْتِبَارَ جِنْسِ الْمَصَالِحِ يُوجِبُ ظَنَّ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّ فِي الْحُكْمِ مَصْلَحَةً غَالِبَةً عَلَى الْمَفْسَدَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ كَذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا لَزِمَ ظَنُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَنَعُوا فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بِمَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ وِفَاقًا، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ فِي الْقِيَاسِ وَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْمَصَالِحُ كَمَا عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثَةُ كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَّامَةِ الْبُدَخْشِيِّ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ إذَا وَجَبَ اتِّبَاعُ الْمَصَالِحِ لَزِمَ تَغْيِيرُ الْأَحْكَامِ عِنْدَ تَبَدُّلِ الْأَشْخَاصِ وَتَغَيُّرِ الْأَوْقَاتِ وَاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ عِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا يُفْضِي إلَى تَغَيُّرِ الشَّرْعِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُرْسَلِ فِي الشَّرْعِ لَا يُتَصَوَّرُ حَتَّى يُتَكَلَّمَ فِيهِ بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ إذْ الْوَقَائِعُ لَا حَصْرَ لَهَا، وَكَذَا الْمَصَالِحُ وَمَا مِنْ مَسْأَلَةٍ تَعْرِضُ إلَّا وَفِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا إمَّا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالرَّدِّ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ اسْتِحَالَةَ خُلُوِّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ.
وَقَدْ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَانْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute