للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَيْ بِأَنْ كَانَ عَقْلِيًّا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ قَالَ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّخَلُّفَ فِي الْقَطْعِيِّ قَادِحٌ بِخِلَافِ الشَّرْعِيِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ (وَلَوْ دَلَّ) الْمُسْتَدِلُّ (عَلَى وُجُودِهَا) فِيمَا عَلَّلَهُ بِهَا (بِمُوجِدٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهَا) فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ.

(فَقَالَ) لَهُ الْمُعْتَرِضُ (يُنْتَقَضُ دَلِيلُك) عَلَى الْعِلَّةِ حَيْثُ وُجِدَ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ دُونَهَا عَلَى مُقْتَضَى مُنْفَكِّ وُجُودِهَا فِيهِ (فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ) قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ (لِانْتِقَالِهِ مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا) وَالِانْتِقَالُ مُمْتَنِعٌ وَأَشَارَ بِالصَّوَابِ إلَى دَفْعِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ نَظَرٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَدْحَ فِي الدَّلِيلِ قَدْحٌ فِي الْمَدْلُولِ

ــ

[حاشية العطار]

اللَّفْظِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْفَرْضِ الْمَقْصُودِ إذْ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا قَيْدٌ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَكَأَنَّ وَجْهَ صِحَّةِ تَرْكِهَا الِاتِّكَالُ عَلَى الْمَعْنَى فَإِنَّ مُلَاحَظَتَهُ تُرْشِدُ إلَى الْمَقْصُودِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْأَوْلَى وَالْجَوَازِ بِوُجُودِهِ بَلْ لَا مَعْنَى إلَّا لِلْعَكْسِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ شَرْعًا إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ) صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي يَكُنْ إلَى الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لَا إلَى مَا يُعَلَّلُ بِهِ إذْ لَوْ بَنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ لِغَيْرِهِ كَصَاحِبِ الْمُقْتَرَحِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَرَوِيِّ بِمُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ أَيْ مَا يُعَلَّلُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيِّ وُجُوبَ الْمَضْمَضَةِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّ الْفَمَ مَحَلٌّ يَجِبُ غَسْلُهُ عَنْ الْخَبَثِ فَيَجِبُ عَنْهَا فَإِذَا نُقِضَ بِالْعَيْنِ فَلِلْمُسْتَدِلِّ مَنْعُ وُجُوبِ غَسْلِهَا عَنْ الْخَبَثِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ أَمَّا إذَا كَانَ مَا يُعَلَّلُ بِهِ أَمْرًا حَقِيقِيًّا فَلَهُ ذَلِكَ كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيِّ عَدَمَ الْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ بِالْعَقْدِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يَمْلِكُ عِوَضَهَا بِالْعَقْدِ كَالْمُضَارَبَةِ فَإِنْ نُقِضَ بِالنِّكَاحِ مُنِعَ وُرُودُهُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُقْتَرَحُ اسْمُ الْكِتَابِ هَكَذَا الْمُقْتَرَحُ فِي الْمُصْطَلَحِ كِتَابُ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ وَمُؤَلِّفُهُ الْمَذْكُورُ فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ، وَقَدْ شَرَحَ هَذَا الْكِتَابَ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مُظَفَّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ شَرْحًا مُسْتَوْفًى وَعُرِفَ بِهِ وَاشْتُهِرَ بِاسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ كُبْرَاهُ قَالَ الْمُقْتَرَحُ مُرَادًا بِهِ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ بِالْبَاءِ لَا بِالْمِيمِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْكُبْرَى.

(قَوْلُهُ: فِي الْقَطْعِيِّ) أَيْ الْعَقْلِيِّ لِمُقَابَلَتِهِ بِالشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: قَادِحٌ) أَيْ فَيُمْكِنُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ) أَيْ التَّخَلُّفُ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ مَانِعٍ إلَخْ) أَيْ وَالتَّخَلُّفُ لِذَلِكَ لَيْسَ بِقَادِحٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَلَّ) أَيْ اسْتَدَلَّ وَقَوْلُهُ فِيمَا عَلَّلَهُ بِهِ أَيْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي عَلَّلَهُ أَيْ عَلَّلَ حُكْمَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: بِمَوْجُودٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ النَّقْض) ، وَهُوَ التُّفَّاحُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهَا إلَخْ) كَأَنْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْبُرِّ مَطْعُومًا بِدَلِيلٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ يُدَارُ فِي الْفَمِ وَيُمْضَغُ فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَرِضُ مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ يُنْتَقَضُ بِالتُّفَّاحِ فَإِنَّهُ مَطْعُومٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فَقَالَ الْمُسْتَدِلُّ: لَا أُسَلِّمُ كَوْنَ التُّفَّاحِ مَطْعُومًا. فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي التُّفَّاحِ فَحِينَئِذٍ يُنْتَقَضُ دَلِيلُك وَمَثَّلَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ قَبْلِ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ فَيَنْقُضُهُ الشَّافِعِيُّ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَيَمْنَعُ الْحَنَفِيُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ مَا أَقَمْته دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ دَالٌّ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ.

(قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَخْ) قَالَ الْعَضُدُ هَذَا إذَا ادَّعَى انْتِقَاضَ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ مُعَيَّنًا، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ يَلْزَمُ إمَّا انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا، وَكَيْفَ كَانَ فَلَا تَثْبُتُ الْعِلِّيَّةُ إنْ كَانَ مَسْمُوعًا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قَدْحٌ فِي الْمَدْلُولِ) لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ بُطْلَانُ الْمَدْلُولِ لِظُهُورِ فَسَادِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحْوِجٌ إلَى الِانْتِقَالِ إلَى إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَإِلَّا كَانَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>