للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْهُ) تَعَالَى بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ.

(عِلْمُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ مَعْلُومٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ مُمْكِنًا كَانَ أَوْ مُمْنَعًا.

ــ

[حاشية العطار]

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] . اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْهُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قُلْت سَيِّدِي وَمَوْلَايَ إذَا كَانَ الْكُلُّ مِنْك وَإِلَيْك كَانَ التَّكْلِيفُ بِمَنْزِلَةِ افْعَلْ يَا مَنْ لَا تَفْعَلْ فَقِيلَ لِي إذَا أَمَرْنَاك بِأَمْرٍ فَاقْبَلْ وَلَا تُحَاقِقْ فَإِنَّ حَضْرَةَ الْأَدَبِ لَا تَسَعُ الْمُخَالَفَةَ فَقُلْت يَا سَيِّدِي هُوَ نَفْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّك إنْ كُنْت قَضَيْت عَلَيَّ بِالْأَدَبِ أَوْ بِالْمُحَاقَّةِ فَلَا خُرُوجَ لِي عَنْ قَضَائِك فَقِيلَ لِي لَنْ نُوجِدَكَ إلَّا عَلَى مَا عَلِمْنَا وَلَا نَعْلَمُك إلَّا عَلَى مَا أَنْتَ وَلَنَا الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَقَالَ أَيْضًا قَدْ غَلَبَ عَلَيَّ شُهُودُ الْجَبْرِ الْبَاطِنِيِّ حَتَّى نَبَّهَنِي تِلْمِيذِي إسْمَاعِيلُ وَقَالَ لِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ خَلِيقَةً وَلَا مُتَخَلِّقًا بِالْأَخْلَاقِ فَدَخَلَ عَلَيَّ بِكَلَامِهِ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ.

١ -

(قَوْلُهُ: بِخَلْقِهِ وَإِرَادَتِهِ) وَالْعَبْدُ مَجْبُورٌ فِي صُورَةِ مُخْتَارٍ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْأُمُورُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ، وَلِذَلِكَ سُمُّوا قَدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقَدَرَ، وَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ فَصَّلَهَا الْفَخْرُ فِي كُتُبِهِ لَا سِيَّمَا الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ مُتَعَارِضَةٌ فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلُ الدَّاعِي الْمُوجِبُ وَدَلِيلُ الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَذْكِيَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمَا الْعَدُوَّانِ لِلِاعْتِزَالِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَمَّ الدَّسْتُ لَنَا وَقَدْ أَشَارَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ وَكَانَ مُتَغَالِيًا فِي الرَّفْضِ وَالِاعْتِزَالِ إلَى بَعْضِ أَدِلَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَأْمُرُ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْهُ وَيَنْهَى عَنْ الْكُفْرِ وَيُرِيدُهُ وَيُعَاقِبُ عَلَى الْبَاطِلِ وَيُقَدِّرُهُ وَكَيْفَ يَصْرِفُ عَنْ الْإِيمَانِ ثُمَّ يَقُولُ {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣٢] وَيَخْلُقُ فِيهِمْ الْإِفْكَ ثُمَّ يَقُولُ {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: ٩٥] وَأَنْشَأَ فِيهِمْ الْكُفْرَ ثُمَّ يَقُولُ {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: ٢٨] وَخَلَقَ فِيهِمْ لُبْسَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ يَقُولُ {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: ٧١] وَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ ثُمَّ يَقُولُ {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: ٩٩] وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ ثُمَّ يَقُولُ {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا} [النساء: ٣٩] وَذَهَبَ بِهِمْ عَنْ الرُّشْدِ ثُمَّ قَالَ {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: ٢٦] وَأَضَلَّهُمْ عَنْ الدِّينِ حَتَّى أَعْرَضُوا ثُمَّ قَالَ {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: ٤٩] وَفِي كَلَامِ الْخَوَّاصِ شَيْخِ الشَّعْرَانِيِّ مِثْلُ الْعَبِيدِ فِي كَوْنِهِمْ مَظْهَرًا لِأَفْعَالِهِمْ فَقَطْ كَالْبَابِ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِيهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لِلَّهِ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي نَفْيِ الْكِبْرِ وَالْعَجَبِ وَالْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ فِي الْأَزَلِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ تَعَالَى أَرَاحَ نَفْسَهُ مِنْ تَشَبُّثِهَا بِأَذْيَالِ الْأَمَانِي وَسَلَّاهَا عَنْ مَرَامِهَا وَعَمَّا هِيَ فِيهِ بِاعْتِقَادِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَانٍ

دَوَامُ حَالٍ مِنْ قَضَايَا الْمُحَالِ ... وَالصَّبْرُ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ حَالِ

(قَوْلُهُ: شَامِلٌ لِكُلِّ مَعْلُومٍ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْعِلْمُ تَابِعًا لِلْمَعْلُومِ قَالَ الْفَخْرُ الْعِلْمُ بِالْوُقُوعِ تَابِعٌ لِلْوُقُوعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ يَتْبَعُ الشَّيْءَ فَلَا يُوجِبُ فِيهِ تَأْثِيرًا حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْإِرَادَةِ، وَلَا يُوجِبُ فِيهِ قَلْبًا حَتَّى يَكُونَ جَهْلًا فَالْعِلْمُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ بِوَجْهِ الصَّوَابِ وَالْحَقِّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِيهِ لَيْسَ بِحَقٍّ بِأَنْ يُصَيِّرَهُ حَقًّا فَإِنَّ كَوْنَ غَيْرِ الْحَقِّ حَقًّا هُوَ عَيْنُ الْجَهْلِ فَكَمَا تَقُولُ الْقُدْرَةُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مُمْكِنٌ وَتَعْنِي بِالْوَجْهِ اللَّائِقِ لَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى تَعَلُّقَهَا بِجَمْعِ الضِّدَّيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُمْكِنِ جِنْسُهُ الْمَقْدُورُ فِي أَصْلِهِ فَكَذَا لَا يُعْقَلُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الْعِلْمَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَعْلَمُ نَقَائِضَ الْوَاجِبِ ثَابِتَةً، وَيَعْلَمُ مَثَلًا نَفْيَ الْوَاجِبِ وَيَعْلَمُ ثُبُوتَ الصَّاحِبَةِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ أَمْرٍ عَلَى وَجْهِهِ اللَّائِقِ وَنَفْيِهِ عَلَى الْوَجْهِ غَيْرِ اللَّائِقِ، وَهَذَا تَنْزِيهٌ لَهُ فَالْعِلْمُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ لَكِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَهُ جِهَةُ حَقٍّ وَجِهَةُ بَاطِلٍ فَيَعْلَمُ جِهَةَ الْحَقِّ أَنَّهَا حَقٌّ كَثُبُوتِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَعْلَمُ جِهَةَ الْبَاطِلِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ كَنَفْيِهَا وَلَا يَعْلَمُ الثُّبُوتَ لَلشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا جِهَةُ بَاطِلٍ فَيَعْلَمُ أَنَّ ثُبُوتَهُ بَاطِلٌ، وَيَعْلَمُ نَفْيَهُ؛ لِأَنَّهُ جِهَةُ حَقٍّ ثُمَّ إنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا تَنْجِيزِيًّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَيَعْلَمُ وُجُودَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ، ثُمَّ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ عِلْمُ عَدَمِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ لَكِنْ مَحَطُّ الْعِلْمِ الْوُجُودُ وَكُلُّ مَا بَقِيَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ فَإِنَّ الصَّالِحَ لَأَنْ يَعْلَمَ لَيْسَ بِعَالَمٍ، وَقِيلَ إنَّ لَهُ تَعَلُّقَيْنِ صَلَاحِي وَتَنْجِيزِي فَيَتَعَلَّقُ بِالْأَشْيَاءِ كَوْنُهَا وَيُسَمَّى هَذَا عِلْمًا بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>