(جُزْئِيَّاتٌ وَكُلِّيَّاتٌ) .
(وَقُدْرَتُهُ) شَامِلَةٌ (لِكُلِّ مَقْدُورٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُمْكِنُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ.
(مَا عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ (إرَادَةً) أَيْ أَرَادَ وُجُودَهُ (وَمَا لَا) أَيْ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ (فَلَا) يُرِيدُ وُجُودَهُ
ــ
[حاشية العطار]
سَيَكُونُ ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ كَوْنِهَا أَنَّهَا كَانَتْ، وَذَلِكَ عِلْمٌ بِمَا كَانَ وَالْعِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ غَيْرُ الْعِلْمِ بِمَا كَانَ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْلُومِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّقِهِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ فَالْمَعْلُومُ قَبْلَ كَوْنِهِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَبَعْدَ كَوْنِهِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ وَمَثَّلَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ بِمَا لَوْ أَخْبَرَنَا صَادِقٌ بِوُقُوعِ أَمْرٍ عَلِمْنَا كَوْنَهُ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَخْتَلِفْ عِلْمُنَا قَبْلَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْوَاقِعِ وَوُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي عِلْمِنَا بِالْأَشْيَاءِ لِتَغَيُّرِ عِلْمِنَا بِعَدَمِ الْيَقِينِ وَالثَّبَاتِ، وَلِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى ثُمَّ فِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ عَلَى الصُّغْرَى قَالَ الضَّرِيرُ
وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى التَّفْصِيلِ ... يُنَاقِضُ الْعِلْمَ عَلَى التَّجْمِيلِ
قَالَ ابْنُ خَلِيلٍ سَمِعْت بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ يَقُولُ فِي دَرْسِهِ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَذَلِكَ جَهْلٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى الْعِلْمِ حَيْثُ صَارَ يَتَوَلَّى تَدْرِيسَهُ مِثْلُ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ إلَخْ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُجْمَلَ هُوَ الَّذِي لَمْ تُدْرَكْ حَقِيقَتُهُ وَالْمُفَصَّلَ هُوَ مُدْرَكُ الْحَقِيقَةِ، فَيَجْتَمِعُ عِنْدَ ذَلِكَ مُدْرَكٌ لَا مُدْرَكٌ وَذَلِكَ مُحَالٌ وَنَظِيرُهُ لَوْ قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ بِالدَّلِيلِ الْجُمَلِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ كَانَتْ تَنَاقُضًا اهـ.
أَقُولُ لَيْتَ هَذَا الْقَائِلَ عَاشَ حَتَّى الْآنَ لِيَرَى مَا يَقُولُهُ الْمُدَرِّسُونَ فِي دُرُوسِهِمْ بَلْ مَا يَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُونَ فِي عَصْرِنَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الصُّغْرَى وَمَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَوَاشِي وَالشُّرُوحِ عُمْدَةً وَإِمَامًا، وَلَمْ تَطْمَحْ نُفُوسُهُمْ بِمَا قَرَّرَهُ مُحَقِّقُوا هَذَا الْفَنِّ فِي كُتُبِهِمْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَتَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَقْلٍ سَاطِعٍ أَوْ بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ لَمْ يَعْدِلْ عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي ذِهْنِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الصَّوَابَ، وَقَالَ لَا أَعْدِلُ عَمَّا رَأَيْته فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، ثُمَّ إنِّي رَأَيْت فِي شَرْحِ الدَّوَانِي عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَشْكَالًا حَاصِلَةً أَنَّهُ إذَا كَانَ صُدُورُ الْمُمْكِنَاتِ عَنْ الْوَاجِبِ تَعَالَى بِالِاخْتِيَارِ وَالْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مَسْبُوقَةً بِالْعِلْمِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ وُجُودٌ أَزَلِيٌّ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِاللَّاشَيْءِ الْمَحْضِ مُحَالٌ بَدِيهَةً وَمَا يَقُولُهُ الظَّاهِرِيُّونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ قَدِيمٌ وَالتَّعَلُّقَ حَادِثٌ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ إذْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّيْءِ لَا يَصِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْلُومًا فَهُوَ يُفْضِي إلَى نَفْيِ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِالْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا قُلْت الْمَخْلَصُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ بِالْعِلْمِ الْبَسِيطِ الْإِجْمَالِيِّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ مَبْدَأٌ لِوُجُودِهِ التَّفْصِيلِيِّ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ الْإِجْمَالِيَّ فِينَا مَبْدَأٌ لِحُصُولِ التَّفَاصِيلِ فِينَا.
(قَوْلُهُ: جُزْئِيَّاتٌ وَكُلِّيَّاتٌ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ الْمُنْكِرِينَ عِلْمَهُ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةَ بِالْوَجْهِ الْجُزْئِيِّ بَلْ إنَّمَا يَعْلَمُهَا بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ مُنْحَصِرٍ فِي الْخَارِجِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقَدْ كَثُرَ تَشْنِيعُ الطَّوَائِفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَرَّرَ كَلَامَهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَقَالَ مُنْلَا جَامِي فِي الدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ ادَّعُوا انْتِفَاءَ عِلْمِهِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَلَكِنْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ نَفْيُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ مِمَّا أَحَالَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمْ إلَى آخِرِ مَا قَالَ، وَأَنَا أَقُولُ هُمْ وَإِنْ أُوِّلَ كَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَكْفِيرٌ فَلَهُمْ عَظَائِمُ أَجْمَعَ عَلَى كُفْرِهِمْ فِيهَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ) أَيْ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ لَا لِنَقْصٍ فِيهَا بَلْ لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِ لِلْوُجُودِ فَلَا يَصْلُحُ لَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ وَمِثْلُهُ الْوَاجِبُ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَمَا فِي دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً تَعْظِيمًا لِحَقِّي خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ مَلَكًا» إلَخْ فَمِنْ فِيهِ تَعْلِيلِيَّةٌ وَإِلَّا فَقَلْبُ الْعَرْضِ جَوْهَرًا مُحَالٌ عَقْلِيٌّ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ، وَأَمَّا الْمَسْخُ فَلَيْسَ فِيهِ قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ أَتَمَّ الْبَيَانِ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى. قَالَ الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى اسْمِهِ الْقَادِرِ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ اطَّلَعَ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى صُورَةِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ حَالَ الْإِيجَادِ أَمْ هُوَ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ.
فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ يَعْنِي ابْنَ الْعَرَبِيِّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute