للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْإِرَادَةُ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ.

(بَقَاؤُهُ) تَعَالَى (غَيْرَ مُسْتَفْتَحٍ وَلَا مُتَنَاهٍ) أَيْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ.

(لَمْ يَزَلْ) سُبْحَانَهُ مَوْجُودًا (بِأَسْمَائِهِ) أَيْ بِمَعَانِيهَا وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ كَالْعَالِمِ وَالْخَالِقِ.

(وَصِفَاتِ ذَاتِهِ)

ــ

[حاشية العطار]

شَرْحِ تَرْجُمَانِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ وَسِرُّ الْقَدَرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ. قَالَ وَقَدْ أَطْلَعَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَسَعُنَا الْإِفْصَاحُ عَنْهُ لِغَلَبَةِ مُنَازَعَةِ الْمَحْبُوبِينَ قَالَ تَعَالَى {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: ٢٥٥] وَذَلِكَ لَنَا بِحُكْمِ الْوِرَاثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَوَى سِرَّ عِلْمِ الْقَدَرِ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مَا عَدَا سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ وَرِثَهُ فِيهِ كَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ يَوْمًا أَتَدْرِي يَوْمَ لَا يَوْمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَعَمْ ذَلِكَ يَوْمُ الْمَقَادِيرِ» أَوْ كَمَا قَالَ وَنَقَلَ عَنْهُ الشَّعْرَانِيُّ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْمُحَالِ عَقْلًا، وَأَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ دَخَلَ الْأَرْضَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ بَقِيَّةِ خَمِيرَةِ طِينَةِ آدَمَ فَرَأَى فِيهَا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ اهـ.

وَأَقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَدْسُوسًا عَلَى الشَّيْخِ الشَّعْرَانِيِّ أَوْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ أَرَادَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَعْلَمُهُ وَاعْتِقَادُ ظَاهِرِهِ لَا يَجُوزُ وَيُنْسَبُ لِأَبِي حَيَّانَ

إنَّ عَقْلِي لَفِي عِقَالٍ إذَا مَا ... أَنَا صَدَّقْت كُلَّ قَوْلٍ مُحَالِ

وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ التَّكْوِينِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُثْبِتُ لَهُ الْمَاتُرِيدِيَّةُ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ التَّكْوِينَ صِفَةً مُغَايِرَةً لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ فَالْمُثْبِتُ لَهُ يَقُولُ إنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا صِحَّةُ التَّأْثِيرِ وَالْإِيجَادُ عَنْ الْفَاعِلِ وَالتَّكْوِينُ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا الْإِيجَادُ بِالْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْقُدْرَةُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَصَحَّ صُدُورُهُ عَنْهُ إذَا تَرَجَّحَ بِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ تَعَلَّقَ التَّكْوِينُ بِإِيجَادِهِ فَوُجِدَ فَعَلَى هَذَا تَعَلُّقَاتُ الْقُدْرَةِ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَصِحُّ صُدُورُهَا عَنْ الْوَاجِبِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنَّافُونَ لِلتَّكْوِينِ قَالُوا إنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا الْإِيجَادُ، وَأَمَّا صِحَّةُ الصُّدُورِ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لِإِمْكَانِهَا الذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرْفَانِ مُسْتَوِيَيْنِ صَلُحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَثَرًا لِلْفَاعِلِ فَلَا تَحْتَاجُ صِحَّةُ الصُّدُورِ إلَى الْمُخَصِّصِ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ صُدُورُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مِنْ الْفَاعِلِ إلَى الْمُخَصِّصِ وَهُوَ الْإِرَادَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ التَّكْوِينِ حِينَئِذٍ.

(قَوْلُهُ: فَالْإِرَادَةُ) أَيْ السَّابِقُ تَعَلُّقُهَا تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ فِي الْفَاعِلِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَلَا تَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالْوُقُوعِ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ إذْ نِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا بُدَّ فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالْوُقُوعِ مِنْ صِفَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْإِرَادَةُ التَّابِعُ تَعَلُّقُهَا لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ، ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْإِرَادَةِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا، وَهُوَ تَعْيِينُهَا فِي الْأَزَلِ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ وَلَا تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ فَتَبَعِيَّةُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ التَّعَقُّلِ إذْ لَا يُعْقَلُ فِي الْقَدِيمِ تَرْتِيبٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا يَكُونُ التَّرَتُّبُ بِحَسَبِ التَّحَقُّقِ.

(قَوْلُهُ: بَقَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَفْتَحٍ) أَيْ بَقَاءُ وُجُودِهِ أَيْ وُجُودِ الْبَاقِي الشَّامِلِ لِلْقَدِيمِ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْبَقَاءِ الْآتِي هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَدِيمَ كَنَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ بِمَعَانِيهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْأَسْمَاءَ أَلْفَاظٌ لَا تُوصَفُ بِالْقِدَمِ وَفِي الْيَوَاقِيتِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الَّذِي أَعْطَاهُ الْكَشْفُ أَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمٌ وَاحِدٌ كَرَامَهُرْمُزَ اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ.

(قَوْلُهُ: وَصِفَاتُ ذَاتِهِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ أَوْ لَا وَهَلْ وُجُوبُهَا وَقِدَمُهَا ذَاتِيٌّ أَوْ هِيَ ذَاتُهَا مُمْكِنَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَنِعْمَ مَا قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْفِيرُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ الْأَصْفِيَاءِ يَقُولُ عِنْدِي أَنَّ زِيَادَةَ الصِّفَاتِ وَعَدَمَهَا وَأَمْثَالَهَا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَشْفٍ حَقِيقِيٍّ لِلْعَارِفِينَ، وَأَمَّا مَنْ تَمَرَّنَ الِاسْتِدْلَالَ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ كَشْفٌ فَإِنَّمَا يَرَى مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى اعْتِقَادٍ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِكْرِيِّ وَلَا أَرَى بَأْسًا فِي اعْتِقَادِ أَحَدِ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.

وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ وَاَلَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَائِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>